قَالُوا: وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» .
قَالُوا: وَأَكَّدَهُ أَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» ، وَرَضَاعُ الْكَبِيرِ لَا يُنْبِتُ لَحْمًا، وَلَا يُنْشِزُ عَظْمًا.
قَالُوا: وَلَوْ كَانَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ مُحَرِّمًا لَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة - وَقَدْ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَكَرِهَ دُخُولَ أَخِيهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ عَلَيْهَا لَمَّا رَآهُ كَبِيرًا: - " انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنُّ " فَلَوْ حَرَّمَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ، وَلَمَا كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ: «انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ» ثُمَّ قَالَ: «فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» وَتَحْتَ هَذَا مِنَ الْمَعْنَى خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدِ ارْتَضَعَ فِي غَيْرِ زَمَنِ الرَّضَاعِ وَهُوَ زَمَنُ الْمَجَاعَةِ، فَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، فَلَا يَكُونُ أَخًا.
قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ سهلة فِي رَضَاعِ سالم، فَهَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّ قِصَّتَهُ كَانَتْ عَقِيبَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: ٥] [الْأَحْزَابِ: ٥] ، وَهِيَ نَزَلَتْ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ.
وَأَمَّا أَحَادِيثُ اشْتِرَاطِ الصِّغَرِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الثَّدْيِ قَبْلَ الْفِطَامِ، فَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ عَامَ فَتْحِ خَيْبَرَ بِلَا شَكٍّ، كِلَاهُمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ قِصَّةِ سالم فِي رَضَاعِهِ مِنَ امْرَأَةِ أبي حذيفة.
[حُجَّةُ مَنْ حَرَّمَ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ]
قَالَ الْمُثْبِتُونَ لِلتَّحْرِيمِ بِرَضَاعِ الشُّيُوخِ: قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِحَّةً لَا يَمْتَرِي فِيهَا أَحَدٌ أَنَّهُ أَمَرَ سهلة بنت سهيل أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ كَبِيرًا ذَا لِحْيَةٍ، وَقَالَ: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ» ثُمَّ سَاقُوا الْحَدِيثَ، وَطُرُقَهُ وَأَلْفَاظَهُ وَهِيَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بِلَا شَكٍّ.
ثُمَّ قَالُوا: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَتُبَيِّنُ مُرَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ أَنَّ الرَّضَاعَةَ الَّتِي تَتِمُّ بِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ، أَوْ بِتَرَاضِي الْأَبَوَيْنِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ إِذَا رَأَيَا فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِلرَّضِيعِ، إِنَّمَا هِيَ الْمُوجِبَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute