لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ، وَالَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْأَبَوَانِ أَحَبَّا أَمْ كَرِهَا.
وَلَقَدْ كَانَ فِي الْآيَةِ كِفَايَةٌ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] [الْبَقَرَةِ: ٢٣٣] ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَالِدَاتِ بِإِرْضَاعِ الْمَوْلُودِ عَامَيْنِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَحْرِيمٌ لِلرَّضَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا أَنَّ التَّحْرِيمَ يَنْقَطِعُ بِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ، وَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] [النِّسَاءِ: ٢٣] ، وَلَمْ يَقُلْ فِي حَوْلَيْنِ، وَلَا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ زَائِدًا عَلَى الْآيَاتِ الْأُخَرِ، وَعُمُومُهَا لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إِلَّا بِنَصٍّ يُبَيِّنُ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَهُ لَا بِظَنٍّ وَلَا مُحْتَمَلٍ لَا بَيَانَ فِيهِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ يَعْنِي الَّتِي فِيهَا التَّحْرِيمُ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ قَدْ جَاءَتْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ، رَوَاهَا نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسهلة بنت سهيل، وَهِيَ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، وزينب بنت أم سلمة وَهِيَ رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهَا مِنَ التَّابِعِينَ: الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وحميد بن نافع، وَرَوَاهَا عَنْ هَؤُلَاءِ: الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وعبد الرحمن بن القاسم، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وربيعة ثُمَّ رَوَاهَا عَنْ هَؤُلَاءِ: أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وشعبة، ومالك، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وشعيب، ويونس، وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، ومعمر، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ رَوَاهَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ، فَهِيَ نَقْلُ كَافَّةٍ لَا يَخْتَلِفُ مُؤَالِفٌ وَلَا مُخَالِفٌ فِي صِحَّتِهَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ إِلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: كَانَ ذَلِكَ خَاصَّا بسالم، كَمَا قَالَ بَعْضُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَبِعَهُنَّ فِي ذَلِكَ، فَلْيَعْلَمْ مَنْ تَعَلَّقَ بِهَذَا أَنَّهُ ظَنٌّ مِمَّنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُنَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُنُّ قُلْنَ: مَا نَرَى هَذَا إِلَّا خَاصًّا بسالم، وَمَا نَدْرِي لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً لسالم. فَإِذَا هُوَ ظَنٌّ بِلَا شَكٍّ فَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُعَارَضُ بِهِ السُّنَنُ الثَّابِتَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦] [يُونُسَ: ٣٦] وَشَتَّانَ بَيْنَ احْتِجَاجِ أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِظَنِّهَا، وَبَيْنَ احْتِجَاجِ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَتْ لَهَا عائشة: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، سَكَتَتْ أم سلمة، وَلَمْ تَنْطِقْ بِحَرْفٍ، وَهَذَا إِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute