قَالَ صَاحِبُ " الْإِفْصَاحِ " وَهُوَ يحيى بن محمد بن هبيرة فِي " إِفْصَاحِهِ ": مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنِ اشْتَرَطَ أَنْ يُزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنَ الصَّادِقِينَ، فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَى، وَاشْتَرَطَ فِي نَفْيِهَا عَنْ نَفْسِهَا أَنْ تَقُولَ: فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَى. قَالَ: وَلَا أَرَاهُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاشْتِرَاطَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أحمد: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الزِّنَى فِي اللِّعَانِ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ قَالَ: قُلْتُ لأحمد: كَيْفَ يُلَاعِنُ؟ قَالَ: عَلَى مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، يَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ يَقِفُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَيَقُولَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْمَرْأَةُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَفِي هَذَا النَّصِّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: مِنَ الزِّنَى، وَلَا تَقُولُهُ هِيَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ: فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ، وَتَقُولَ هِيَ: فِيمَا رَمَانِي بِهِ، وَالَّذِينَ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ حُجَّتُهُمْ أَنْ قَالُوا: رُبَّمَا نَوَى: إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِي شَهَادَةِ التَّوْحِيدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْخَبَرِ الصَّادِقِ، وَنَوَتْ: إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِي شَأْنٍ آخَرَ، فَإِذَا ذَكَرَا مَا رُمِيَتْ بِهِ مِنَ الزِّنَى انْتَفَى هَذَا التَّأْوِيلُ.
قَالَ الْآخَرُونَ: هَبْ أَنَّهُمَا نَوَيَا ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا لَا يَنْتَفِعَانِ بِنِيَّتِهِمَا، فَإِنَّ الظَّالِمَ لَا يَنْفَعُهُ تَأْوِيلُهُ، وَيَمِينُهُ عَلَى نِيَّةِ خَصْمِهِ، وَيَمِينُهُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إِذَا كَانَ مُجَاهِرًا فِيهَا بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ أَوِ الْغَضَبَ، نَوَى مَا ذَكَرْتُمْ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُمَوِّهُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى بِمِثْلِ هَذَا.
[فَصْلٌ هَلْ يَنْتَفِي الْحَمْلُ بِاللِّعَانِ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ الْحَمْلَ يَنْتَفِي بِلِعَانِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: وَمَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: وَقَدِ اسْتَبْرَأْتُهَا، هَذَا قَوْلُ أبي بكر عبد العزيز، مِنْ أَصْحَابِ أحمد، وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ مالك، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْتَاجُ الرَّجُلُ إِلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ، وَلَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إِلَى ذِكْرِهِ، وَقَالَ الخرقي وَغَيْرُهُ: يَحْتَاجَانِ إِلَى ذِكْرِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًى، وَلَيْسَ هُوَ مِنِّي. وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute