الْقَبْرَيْنِ غُصْنَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، وَقَالَ: ( «لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» ) .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَلَعَتِ الشَّجَرَةُ بِنَفْسِهَا، أَوِ انْكَسَرَ الْغُصْنُ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْضُدْهُ هُوَ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا إِذَا قَلَعَهَا قَالِعٌ ثُمَّ تَرَكَهَا، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا؟ قِيلَ: قَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: مَنْ شَبَّهَهُ بِالصَّيْدِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِحَطَبِهَا، وَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ إِذَا قَطَعَهُ يَنْتَفِعُ بِهِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاطِعِ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قُطِعَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَأُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَلَعَتْهُ الرِّيحُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّيْدِ إِذَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ، حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ قَتْلَ الْمُحْرِمِ لَهُ جَعَلَهُ مَيْتَةً.
وَقَوْلُهُ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: ( «وَلَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا» ) صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ الْوَرَقِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَخْذُهُ، وَيُرْوَى عَنْ عطاء، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ، فَإِنَّ مَنْزِلَتَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ مَنْزِلَةُ رِيشِ الطَّائِرِ مِنْهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَخْذَ الْوَرَقِ ذَرِيعَةٌ إِلَى يُبْسِ الْأَغْصَانِ، فَإِنَّهُ لِبَاسُهَا وَوِقَايَتُهَا.
[فصل لَا يُقْلَعُ حَشِيشُ مَكَّةَ مَا دَامَ رَطْبًا]
فَصْلٌ
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» ) لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ دُونَ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّونَ، وَلَا يَدْخُلُ الْيَابِسُ فِي الْحَدِيثِ، بَلْ هُوَ لِلرَّطْبِ خَاصَّةً، فَإِنَّ الْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ مَا دَامَ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ حَشِيشٌ، وَأَخْلَتِ الْأَرْضُ كَثُرَ خَلَاهَا، وَاخْتِلَاءُ الْخَلَى: قَطْعُهُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ (كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَخْتَلِي لِفَرَسِهِ) أَيْ يَقْطَعُ لَهَا الْخَلَى، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْمِخْلَاةُ، وَهِيَ وِعَاءُ الْخَلَى، وَالْإِذْخِرُ مُسْتَثْنًى بِالنَّصِّ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute