للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْتِبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَيْدَ الَّذِي قَيَّدَهُ اللَّهُ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ فِي حَجْرِ الزَّوْجِ.

وَنَظِيرُ هَذَا سَوَاءٌ، أَنْ يُقَالَ فِي زَوْجَةِ ابْنِ الصُّلْبِ إِذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِرَضَاعِ: لَوْ لَمْ تَكُنْ حَلِيلَةَ ابْنِي الَّذِي لِصُلْبِي، لَمَا حَلَّتْ لِي سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فصل التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ]

فَصْلٌ الْحُكْمُ الثَّانِي: الْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ يَنْتَشِرُ مِنْهُ كَمَا يَنْتَشِرُ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ مَنْ خَالَفَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ وَيُتْرَكَ مَا خَالَفَهَا لِأَجْلِهَا، وَلَا تُتْرَكُ هِيَ لِأَجْلِ قَوْلِ أَحَدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ. وَلَوْ تُرِكَتِ السُّنَنُ لِخِلَافِ مَنْ خَالَفَهَا لِعَدَمِ بُلُوغِهَا لَهُ، أَوْ لِتَأْوِيلِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَتُرِكَ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَتُرِكَتِ الْحُجَّةُ إِلَى غَيْرِهَا، وَقَوْلُ مَنْ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ إِلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَقَوْلُ الْمَعْصُومِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ، وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْهَا، وَأَنْ لَا نَلْقَاهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ عمارة وإبراهيم وَأَصْحَابُنَا لَا يَرَوْنَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ بَأْسًا حَتَّى أَتَاهُمُ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ بِخَبَرِ أبي القعيس، يَعْنِي: فَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَرَجَعُوا عَنْهُ، وَهَكَذَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْعِلْمِ إِذَا أَتَتْهُمُ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعُوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ بِغَيْرِهَا.

قَالَ الَّذِينَ لَا يُحَرِّمُونَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ: إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيمَ بِالرَّضَاعَةِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، فَقَالَ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] [النِّسَاءِ: ٢٣] وَاللَّامُ: لِلْعَهْدِ تَرْجِعُ إِلَى الرَّضَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ رَضَاعَةُ الْأُمِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] [النِّسَاءِ: ٢٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>