للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " بَادَ مُلْكُهُ "، وَأَقْرَأْتُهُ مِنْ حَاجِبِهِ السَّلَامَ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ ") : وَمَاتَ الحارث بن أبي شمر عَامَ الْفَتْحِ، فَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَرْسَلَ مَلِكُ غَسَّانَ يَدْعُو كعبا إِلَى اللِّحَاقِ بِهِ، فَأَبَتْ لَهُ سَابِقَةُ الْحُسْنَى أَنْ يَرْغَبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِهِ.

[فصل في أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بِاعْتِزَالِ نِسَائِهِمْ]

فَصْلٌ

فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَعْتَزِلُوا نِسَاءَهُمْ لَمَّا مَضَى لَهُمْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً كَالْبِشَارَةِ بِمُقَدِّمَاتِ الْفَرَجِ وَالْفَتْحِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: كَلَامُهُ لَهُمْ، وَإِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يُكَلِّمُهُمْ بِنَفْسِهِ وَلَا بِرَسُولِهِ.

الثَّانِي: مِنْ خُصُوصِيَّةِ أَمْرِهِمْ بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ وَإِرْشَادٌ لَهُمْ إِلَى الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَشَدِّ الْمِئْزَرِ، وَاعْتِزَالِ مَحَلِّ اللَّهْوِ وَاللَّذَّةِ وَالتَّعَوُّضِ عَنْهُ بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَفِي هَذَا إِيذَانٌ بِقُرْبِ الْفَرَجِ، وَأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْعَتَبِ أَمْرٌ يَسِيرٌ.

وَفِقْهُ هَذِهِ الْقِصَّةِ، أَنَّ زَمَنَ الْعِبَادَاتِ يَنْبَغِي فِيهِ تَجَنُّبُ النِّسَاءِ، كَزَمَنِ الْإِحْرَامِ، وَزَمَنِ الِاعْتِكَافِ، وَزَمَنِ الصِّيَامِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونَ آخِرُ هَذِهِ الْمُدَّةِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ أَيَّامِ الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ فِي تَوَفُّرِهَا عَلَى الْعِبَادَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ رَحْمَةً بِهِمْ وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ، إِذْ لَعَلَّهُمْ يَضْعُفُ صَبْرُهُمْ عَنْ نِسَائِهِمْ فِي جَمِيعِهَا، فَكَانَ مِنَ اللُّطْفِ بِهِمْ وَالرَّحْمَةِ أَنْ أُمِرُوا بِذَلِكَ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ، كَمَا يُؤْمَرُ بِهِ الْحَاجُّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ، لَا مِنْ حِينِ يَعْزِمُ عَلَى الْحَجِّ.

وَقَوْلُ كعب لِامْرَأَتِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَمْثَالِهَا طَلَاقٌ مَا لَمْ يَنْوِهِ. وَالصَّحِيحُ أنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ كَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ تَسْيِيبِ الزَّوْجَةِ، وَإِخْرَاجِ الرَّقِيقِ عَنْ مُلْكِهِ، لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَلَا نَرْتَابُ فِيهِ الْبَتَّةَ. فَإِذَا قِيلَ لَهُ: إِنَّ غُلَامَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>