وَقَاتَلَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي دِينِهِ مِنْهُمْ حَتَّى أَقَرُّوا بِالصَّغَارِ وَالْجِزْيَةِ، فَبُهِتَ الْكَافِرُ، وَنَهَضَ مِنْ فَوْرِهِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ فِي جِدَالِ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِجِدَالِهِمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِي السُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ بَعْدَ ظُهُورِ الْحُجَّةِ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، وَبِهَذَا قَامَ الدِّينُ، وَإِنَّمَا جُعِلَ السَّيْفُ نَاصِرًا لِلْحُجَّةِ، وَأَعْدَلُ السُّيُوفِ سَيْفٌ يَنْصُرُ حُجَجَ اللَّهِ وَبَيِّنَاتِهِ، وَهُوَ سَيْفُ رَسُولِهِ وَأُمَّتِهِ.
[فَصْلٌ مَنْ عَظَّمَ مَخْلُوقًا بِحَيْثُ أَخْرَجَهُ عَنْ مَنْزِلَةِ الْعُبُودِيَّةِ الْمَحْضَةِ فَقَدْ أَشْرَكَ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ عَظَّمَ مَخْلُوقًا فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا، بِحَيْثُ أَخْرَجَهُ عَنْ مَنْزِلَةِ الْعُبُودِيَّةِ الْمَحْضَةِ، فَقَدْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ، وَعَبَدَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ دَعْوَةِ الرُّسُلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى نَجْرَانَ: (بِاسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ» ) ، فَلَا أَظُنُّ ذَلِكَ مَحْفُوظًا، وَقَدْ «كَتَبَ إِلَى هرقل: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ) ، وَهَذِهِ كَانَتْ سُنَّتَهُ فِي كُتُبِهِ إِلَى الْمُلُوكِ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَذَا، وَقَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: ١] [النَّمْلِ: ١] ، وَذَلِكَ غَلَطٌ عَلَى غَلَطٍ، فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَكِتَابُهُ إِلَى نَجْرَانَ بَعْدَ مَرْجِعِهِ مِنْ تَبُوكَ.
وَفِيهَا: جَوَازُ إِهَانَةِ رُسُلِ الْكُفَّارِ، وَتَرْكِ كَلَامِهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمُ التَّعَاظُمُ وَالتَّكَبُّرُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُكَلِّمِ الرُّسُلَ، وَلَمْ يَرُدَّ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَبِسُوا ثِيَابَ سَفَرِهِمْ، وَأَلْقَوْا حُلَلَهُمْ وَحُلَاهُمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ السُّنَّةَ فِي مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِمْ حُجَّةُ اللَّهِ، وَلَمْ يَرْجِعُوا، بَلْ أَصَرُّوا عَلَى الْعِنَادِ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ رَسُولَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَدَعَا إِلَيْهِ ابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لِمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute