يُقِرُّهُ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ بِالْيَمِينِ، وَلَا يَقْطَعُ مِنْهُ الْوَتِينَ، وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا {أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: ٩٣] [الْأَنْعَامِ: ٩٣] ، فَيَلْزَمُكُمْ مَعَاشِرَ مَنْ كَذَّبَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْهُمَا:
إِمَّا أَنْ تَقُولُوا: لَا صَانِعَ لِلْعَالَمِ، وَلَا مُدَبِّرَ، وَلَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعٌ مُدَبِّرٌ قَدِيرٌ حَكِيمٌ، لَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ، وَلَقَابَلَهُ أَعْظَمَ مُقَابَلَةٍ، وَجَعَلَهُ نَكَالًا لِلظَّالِمِينَ، إِذْ لَا يَلِيقُ بِالْمُلُوكِ غَيْرُ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَلِكِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟ .
الثَّانِي: نِسْبَةُ الرَّبِّ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الْجَوْرِ وَالسَّفَهِ وَالظُّلْمِ وَإِضْلَالِ الْخَلْقِ دَائِمًا أَبَدَ الْآبَادِ، لَا، بَلْ نُصْرَةُ الْكَاذِبِ وَالتَّمْكِينُ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِجَابَةُ دَعَوَاتِهِ، وَقِيَامُ أَمْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِعْلَاءُ كَلِمَاتِهِ دَائِمًا، وَإِظْهَارُ دَعْوَتِهِ، وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ وَنَادٍ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، فَلَقَدْ قَدَحْتُمْ فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ أَعْظَمَ قَدْحٍ، وَطَعَنْتُمْ فِيهِ أَشَدَّ طَعْنٍ، وَأَنْكَرْتُمُوهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْكَذَّابِينَ قَامَ فِي الْوُجُودِ، وَظَهَرَتْ لَهُ شَوْكَةٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ أَمْرُهُ، وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ، بَلْ سَلَّطَ عَلَيْهِ رُسُلَهُ وَأَتْبَاعَهُمْ فَمَحَقُوا أَثَرَهُ، وَقَطَعُوا دَابِرَهُ، وَاسْتَأْصَلُوا شَأْفَتَهُ. هَذِهِ سُنَّتُهُ فِي عِبَادِهِ مُنْذُ قَامَتِ الدُّنْيَا وَإِلَى أَنْ يَرِثَ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.
فَلَمَّا سَمِعَ مِنِّي هَذَا الْكَلَامَ، قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَقُولَ إِنَّهُ ظَالِمٌ أَوْ كَاذِبٌ، بَلْ كُلُّ مُنْصِفٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُقِرُّ بِأَنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الْأُخْرَى. قُلْتُ لَهُ: فَكَيْفَ يَكُونُ سَالِكُ طَرِيقِ الْكَذَّابِ، وَمُقْتَفِي أَثَرِهِ بِزَعْمِكُمْ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ؟ فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنَ الِاعْتِرَافِ بِرِسَالَتِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ.
قُلْتُ: فَقَدْ لَزِمَكَ تَصْدِيقَهُ، وَلَا بُدَّ وَهُوَ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، كِتَابِيِّهِمْ وَأُمِّيِّهِمْ، وَدَعَا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَى دِينِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute