للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ وَلَا يَهْرُبُ مِنْ مُجَادَلَتِهِمْ إِلَّا عَاجِزٌ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ، فَلْيُوَلِّ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِهِ، وَلْيُخَلِّ بَيْنَ الْمَطِيِّ وَحَادِيهَا، وَالْقَوْسِ وَبَارِيهَا، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَذَكَرْنَا مِنَ الْحُجَجِ الَّتِي تُلْزِمُ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ الْإِقْرَارَ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ، وَبِمَا يَعْتَقِدُونَهُ بِمَا لَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ طَرِيقٍ، وَنَرْجُو مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِفْرَادَهَا بِمُصَنَّفٍ مُسْتَقِلٍّ.

وَدَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ مُنَاظَرَةٌ فِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ: وَلَا يَتِمُّ لَكُمُ الْقَدْحُ فِي نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِالطَّعْنِ فِي الرَّبِّ تَعَالَى وَالْقَدْحِ فِيهِ، وَنِسْبَتِهِ إِلَى أَعْظَمِ الظُّلْمِ وَالسَّفَهِ وَالْفَسَادِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ كَيْفَ يَلْزَمُنَا ذَلِكَ؟

قُلْتُ: بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، لَا يَتِمُّ لَكُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِجُحُودِهِ وَإِنْكَارِ وُجُودِهِ تَعَالَى، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُحَمَّدٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ صَادِقٍ، وَهُوَ بِزَعْمِكُمْ مَلِكٌ ظَالِمٌ، فَقَدْ تَهَيَّأَ لَهُ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ، وَيَتَقَوَّلَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ، ثُمَّ يُتِمُّ لَهُ ذَلِكَ، وَيَسْتَمِرُّ حَتَّى يُحَلِّلَ وَيُحَرِّمَ، وَيَفْرِضَ الْفَرَائِضَ، وَيُشَرِّعَ الشَّرَائِعَ، وَيَنْسَخَ الْمِلَلَ، وَيَضْرِبَ الرِّقَابَ، وَيَقْتُلَ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ، وَهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ، وَيَسْبِيَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، وَيَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ، وَيُتِمُّ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَفْتَحَ الْأَرْضَ، وَيَنْسُبَ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يُشَاهِدُهُ، وَمَا يَفْعَلُ بِأَهْلِ الْحَقِّ وَأَتْبَاعِ الرُّسُلِ، وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ فِي الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ يُؤَيِّدُهُ وَيَنْصُرُهُ، وَيُعْلِي أَمْرَهُ، وَيُمَكِّنُ لَهُ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ الْخَارِجَةِ عَنْ عَادَةِ الْبَشَرِ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُجِيبُ دَعَوَاتِهِ، وَيُهْلِكُ أَعْدَاءَهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ نَفْسِهِ وَلَا سَبَبٍ، بَلْ تَارَةً بِدُعَائِهِ، وَتَارَةً يَسْتَأْصِلُهُمْ سُبْحَانَهُ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَمَعَ ذَلِكَ يَقْضِي لَهُ كُلَّ حَاجَةٍ سَأَلَهُ إِيَّاهَا، وَيَعِدُهُ كُلَّ وَعْدٍ جَمِيلٍ، ثُمَّ يُنْجِزُ لَهُ وَعْدَهُ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَأَهْنَئِهَا وَأَكْمَلِهَا، هَذَا وَهُوَ عِنْدَكُمْ فِي غَايَةِ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ وَالظُّلْمِ، فَإِنَّهُ لَا أَكْذَبَ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا أَظْلَمَ مِمَّنْ أَبْطَلَ شَرَائِعَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَسَعَى فِي رَفْعِهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَتَبْدِيلِهَا بِمَا يُرِيدُ هُوَ، وَقَتَلَ أَوْلِيَاءَهُ وَحِزْبَهُ وَأَتْبَاعَ رُسُلِهِ، وَاسْتَمَرَّتْ نُصْرَتُهُ عَلَيْهِمْ دَائِمًا، وَاللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>