للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الصَّحَابَةِ مَنْ أَبَاحَهَا، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَهَا، قُتِلَ بِالسَّيْفِ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

وَإِذَا كَانَتْ بِنْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ بِنْتًا فِي حُكْمَيْنِ فَقَطْ: الْحُرْمَةِ، وَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَتَخَلَّفَ سَائِرُ أَحْكَامِ الْبِنْتِ عَنْهَا لَمْ تُخْرِجْهَا عَنِ التَّحْرِيمِ، وَتُوجِبُ حِلَّهَا، فَكَذَا بِنْتُهُ مِنَ الزِّنَى تَكُونُ بِنْتًا فِي التَّحْرِيمِ، وَتَخَلُّفُ أَحْكَامِ الْبِنْتِ عَنْهَا لَا يُوجِبُ حِلَّهَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ خَاطَبَ الْعَرَبَ بِمَا تَعْقِلُهُ فِي لُغَاتِهَا، وَلَفْظُ الْبِنْتِ لَفْظٌ لُغَوِيٌّ لَمْ يَنْقُلْهُ الشَّارِعُ عَنْ مَوْضِعِهِ الْأَصْلِيِّ، كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَالْإِيمَانِ وَنَحْوِهِمَا، فَيُحْمَلُ عَلَى مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَثْبُتَ نَقْلُ الشَّارِعِ لَهُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَفْظُ الْبِنْتِ كَلَفْظِ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ أَلْفَاظٌ بَاقِيَةٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْطَقَ ابْنَ الرَّاعِي الزَّانِي بِقَوْلِهِ: أَبِي فُلَانٌ الرَّاعِي» وَهَذَا الْإِنْطَاقُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ أُمِّهِ عَلَيْهِ. وَخَلْقُهُ مِنْ مَائِهَا وَمَاءِ الزَّانِي خَلْقٌ وَاحِدٌ، وَإِثْمُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، وَكَوْنُهُ بَعْضًا لَهُ مِثْلُ كَوْنِهِ بَعْضًا لَهَا، وَانْقِطَاعُ الْإِرْثِ بَيْنَ الزَّانِي وَالْبِنْتِ لَا يُوجِبُ جَوَازَ نِكَاحِهَا، ثُمَّ مِنَ الْعَجَبِ كَيْفَ يُحَرِّمُ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَسْتَمْنِيَ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ، وَيَقُولَ: هُوَ نِكَاحٌ لِيَدِهِ، وَيُجَوِّزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْكِحَ بَعْضَهُ، ثُمَّ يُجَوِّزُ لَهُ أَنْ يَسْتَفْرِشَ بَعْضَهُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ مَائِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ صُلْبِهِ، كَمَا يَسْتَفْرِشُ الْأَجْنَبِيَّةَ.

[فصل لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ مِنَ الرَّضَاعِ]

فَصْلٌ وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُحَرِّمُ إِلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ. فَأَثْبَتَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ التَّحْرِيمَ بِقَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ، وَهَذَا يُرْوَى عَنْ علي وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، والحسن وَالزُّهْرِيِّ، وقتادة، والحكم، وحماد، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ مالك، وأبي حنيفة، وَزَعَمَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>