[فصل مَنْ دَخَلَ فِي عَقْدِ الْمُصَالَحِينَ ثُمَّ حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ نَقَضَ الْعَهْدَ]
فَصْلٌ
وَكَانَ هَدْيُهُ وَسُنَّتُهُ إِذَا صَالَحَ قَوْمًا وَعَاهَدَهُمْ، فَانْضَافَ إِلَيْهِمْ عَدُوٌّ لَهُ سِوَاهُمْ، فَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِي عَقْدِهِمْ، وَانْضَافَ إِلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي عَقْدِهِ، صَارَ حُكْمُ مَنْ حَارَبَ مَنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي عَقْدِهِ مِنَ الْكُفَّارِ حُكْمَ مَنْ حَارَبَهُ، وَبِهَذَا السَّبَبِ غَزَا أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ لَمَّا صَالَحَهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَشْرَ سِنِينَ، تَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَدَخَلَتْ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَعَقْدِهَا، وَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَدَخَلَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقْدِهِ، ثُمَّ عَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ فَبَيَّتَتْهُمْ، وَقَتَلَتْ مِنْهُمْ، وَأَعَانَتْهُمْ قُرَيْشٌ فِي الْبَاطِنِ بِالسِّلَاحِ، فَعَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ بِذَلِكَ، وَاسْتَجَازَ غَزْوَ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ لِتَعَدِّيهِمْ عَلَى حُلَفَائِهِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْقِصَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَبِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِغَزْوِ نَصَارَى الْمَشْرِقِ لَمَّا أَعَانُوا عَدُوَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قِتَالِهِمْ، فَأَمَدُّوهُمْ بِالْمَالِ وَالسِّلَاحِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَغْزُونَا وَلَمْ يُحَارِبُونَا، وَرَآهُمْ بِذَلِكَ نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ، كَمَا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ عَهْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعَانَتِهِمْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَلَى حَرْبِ حُلَفَائِهِ، فَكَيْفَ إِذَا أَعَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل في أن رُسُلُ الْأَعْدَاءِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهَا]
وَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ رُسُلُ أَعْدَائِهِ، وَهُمْ عَلَى عَدَاوَتِهِ، فَلَا يُهِيجُهُمْ، وَلَا يَقْتُلُهُمْ، وَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولَا مسيلمة الكذاب: وَهُمَا عبد الله بن النواحة وابن أثال، قَالَ لَهُمَا: ( «فَمَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَقُولُ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا» ) فَجَرَتْ سُنَّتُهُ أَلَّا يُقْتَلَ رَسُولٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute