أَخَصَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْبِنَاءُ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَإِنَّمَا تَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، وَلِلسَّابِقِ إِلَيْهَا حَقُّ التَّقَدُّمِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ، فَلِهَذَا أَجَزْنَا الْبَيْعَ دُونَ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا النَّظِيرَ، قِيلَ هَذَا الْمُكَاتَبُ يَجُوزُ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ، وَيَصِيرُ مُكَاتَبًا عِنْدَ مُشْتَرِيهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إِجَارَتُهُ إِذْ فِيهَا إِبْطَالُ مَنَافِعِهِ وَأَكْسَابِهِ الَّتِي مَلَكَهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ أَرْضِهَا وَرِبَاعِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ مُشْتَرَكَةَ الْمَنْفَعَةِ إِنِ احْتَاجَ سَكَنَ وَإِنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ، كَمَا كَانَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَلَيْسَ فِي بَيْعِهَا إِبْطَالُ اشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِبْطَالُ مِلْكِهِ لِمَنَافِعِهِ الَّتِي مَلَكَهَا بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا جَوَازُ بَيْعِ أَرْضِ الْخَرَاجِ الَّتِي وَقَفَهَا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْأُمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى الْمُشْتَرِي خَرَاجِيَّةً كَمَا كَانَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَحَقُّ الْمُقَاتِلَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي خَرَاجِهَا، وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِالْبَيْعِ، وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا تُورَثُ، فَإِنْ كَانَ بُطْلَانُ بَيْعِهَا لِكَوْنِهَا وَقْفًا، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَقْفِيَّتُهَا مُبْطِلَةً لِمِيرَاثِهَا، وَقَدْ نَصَّ أحمد عَلَى جَوَازِ جَعْلِهَا صَدَاقًا فِي النِّكَاحِ، فَإِذَا جَازَ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا بِالصَّدَاقِ وَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ جَازَ الْبَيْعُ فِيهَا قِيَاسًا وَعَمَلًا وَفِقْهًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل هَلْ يُضْرَبُ الْخَرَاجُ عَلَى مَزَارِعِ مَكَّةَ كَسَائِرِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ]
فَصْلٌ
فَإِذَا كَانَتْ مَكَّةُ قَدْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، فَهَلْ يُضْرَبُ الْخَرَاجُ عَلَى مَزَارِعِهَا كَسَائِرِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَهَلْ يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِ الْعَنْوَةِ:
أَحَدُهُمَا: الْمَنْصُوصُ الْمَنْصُورُ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِغَيْرِهِ، أَنَّهُ لَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِهَا وَإِنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، فَإِنَّهَا أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ، لَا سِيَّمَا وَالْخَرَاجُ هُوَ جِزْيَةُ الْأَرْضِ، وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ كَالْجِزْيَةِ عَلَى الرُّءُوسِ، وَحَرَمُ الرَّبِّ أَجَلُّ قَدْرًا وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ تُضْرَبَ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ، وَمَكَّةُ بِفَتْحِهَا عَادَتْ إِلَى مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute