للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضَعَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهَا حَرَمًا آمِنًا يَشْتَرِكُ فِيهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، إِذْ هُوَ مَوْضِعُ مَنَاسِكِهِمْ وَمُتَعَبَّدُهُمْ وَقِبْلَةُ أَهْلِ الْأَرْضِ.

وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أحمد - أَنَّ عَلَى مَزَارِعِهَا الْخَرَاجَ، كَمَا هُوَ عَلَى مَزَارِعِ غَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَذْهَبِهِ، وَلِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ بَنَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمَ بَيْعِ رِبَاعِ مَكَّةَ عَلَى كَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَهَذَا بِنَاءٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ مَسَاكِنَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ تُبَاعُ قَوْلًا وَاحِدًا، فَظَهَرَ بُطْلَانُ هَذَا الْبِنَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِيهَا: تَعْيِينُ قَتْلِ السَّابِّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ قَتْلَهُ حَدٌّ لَا بُدَّ مِنَ اسْتِيفَائِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَمِّنْ مقيس بن صبابة، وابن خطل، وَالْجَارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِهِجَائِهِ، مَعَ أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا يُقْتَلْنَ كَمَا لَا تُقْتَلُ الذُّرِّيَّةُ، وَقَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ هَاتَيْنِ الْجَارِيَتَيْنِ ( «وَأَهْدَرَ دَمَ أُمِّ وَلَدِ الْأَعْمَى لَمَّا قَتَلَهَا سَيِّدُهَا لِأَجْلِ سَبِّهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) وَقَتَلَ كعب بن الأشرف الْيَهُودِيَّ، وَقَالَ: ( «مَنْ لكعب فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ) وَكَانَ يَسُبُّهُ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَقَدْ هَمَّ بِقَتْلِ مَنْ سَبَّهُ: (لَمْ يَكُنْ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَرَّ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَاهِبٍ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: (لَوْ سَمِعْتُهُ لَقَتَلْتُهُ، إِنَّا لَمْ نُعْطِهِمُ الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ يَسُبُّوا نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

<<  <  ج: ص:  >  >>