وَطْؤُهَا دُونَ دَوَاعِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ أبي حنيفة.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ وَطْؤُهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ: إِذَا كَانَ بِالْإِطْعَامِ، فَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَيَّدَ التَّكْفِيرَ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْإِطْعَامِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حِكْمَةٌ، فَلَوْ أَرَادَ التَّقْيِيدَ فِي الْإِطْعَامِ لَذَكَرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُقَيِّدْ هَذَا وَيُطْلِقْ هَذَا عَبَثًا بَلْ لِفَائِدَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلَا فَائِدَةَ إِلَّا تَقْيِيدُ مَا قَيَّدَهُ وَإِطْلَاقُ مَا أَطْلَقَهُ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ اسْتِفَادَةُ حُكْمِ مَا أَطْلَقَهُ مِمَّا قَيَّدَهُ، إِمَّا بَيَانًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِمَّا قِيَاسًا، قَدْ أُلْغِيَ فِيهِ الْفَارِقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] مَرَّتَيْنِ، فَلَوْ أَعَادَهُ ثَالِثًا لَطَالَ بِهِ الْكَلَامُ، وَنَبَّهَ بِذِكْرِهِ مَرَّتَيْنِ عَلَى تَكَرُّرِ حُكْمِهِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لَأَوْهَمَ اخْتِصَاصَهُ بِالْكَفَّارَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لَأَوْهَمَ اخْتِصَاصَهُ بِالْأُولَى، وَإِعَادَتُهُ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ تَطْوِيلٌ، وَكَانَ أَفْصَحَ الْكَلَامِ وَأَبْلَغَهُ وَأَوْجَزَهُ مَا وَقَعَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ نَبَّهَ بِالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْمَسِيسِ بِالصَّوْمِ، مَعَ تَطَاوُلِ زَمَنِهِ وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى مَسِيسِ الزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِهِ فِي الْإِطْعَامِ الَّذِي لَا يَطُولُ زَمَنُهُ أَوْلَى.
[فَصْلٌ هَلْ يُبْطِلُ الْمَسُّ تَتَابُعَ الصِّيَامِ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِالصِّيَامِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَذَلِكَ يَعُمُّ الْمَسِيسَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَحْرِيمِ وَطْئِهَا فِي زَمَنِ الصَّوْمِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُبْطِلُ التَّتَابُعُ بِهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يُبْطِلُ، وَهُوَ قَوْلُ مالك، وأبي حنيفة، وأحمد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وَالثَّانِي: لَا يُبْطِلُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ.
وَالَّذِينَ أَبْطَلُوا التَّتَابُعَ مَعَهُمْ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِشَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنِ الْمَسِيسِ قَبْلَ إِكْمَالِ الصِّيَامِ وَتَحْرِيمِهِ، وَهُوَ يُوجِبُ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ رَدًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute