كَذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ رَدُّ حُكْمِ إِحْدَاهُمَا إِلَى حُكْمِ الْأُخْرَى، إِذِ الْقِيَاسُ إِنَّمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَأَمَّا مَا فِيهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا حَظَّ فِيهِ لِلْقِيَاسِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: زَعَمْتَ أَنَّكَ إِنَّمَا أَبْطَلْتَ حَقَّ الْأُمِّ مِنَ الْحَضَانَةِ إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَ أَبِي الطِّفْلِ، وَجَعَلْتَ الْأَبَ أَوْلَى بِحَضَانَتِهَا مِنْهَا بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَمَا قُلْتَ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ، وَقَضَى بِذَلِكَ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ.
قِيلَ: إِنَّ النَّقْلَ الْمُسْتَفِيضَ الَّذِي تَلْزَمُ بِهِ الْحُجَّةُ فِي الدِّينِ عِنْدَنَا لَيْسَ صِفَتَهُ أَلَّا يَكُونَ لَهُ مُخَالِفٌ، وَلَكِنَّ صِفَتَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ قَوْلًا وَعَمَلًا مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ مَنْ يَنْتَفِي عَنْهُ أَسْبَابُ الْكَذِبِ وَالْخَطَأِ، وَقَدْ نَقَلَ مَنْ صِفَتُهُ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا نَكَحَتْ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا زَوْجًا غَيْرَهُ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى بِحَضَانَةِ ابْنَتِهَا مِنْهَا، فَكَانَ ذَلِكَ حُجَّةً لَازِمَةً غَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا بِالرَّأْيِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ فِي قَوْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
[ذِكْرُ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ مَقْبُولٍ وَمَرْدُودٍ]
فَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ فِيهِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ قَرَابَةَ الطِّفْلِ مِنْ قِبَلِ أُمَّهَاتِهِ مِنَ النِّسَاءِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ مِنْ عَصَبَاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ أَزْوَاجٍ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ الْبَتَّةَ، بَلْ أَحَدُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «وَأَمَّا الِابْنَةُ فَإِنِّي أَقْضِي بِهَا لجعفر» ) ، وَأَمَّا اللَّفْظُ الْآخَرُ: ( «فَقَضَى بِهَا لِخَالَتِهَا وَقَالَ: هِيَ أُمٌّ» ) وَهُوَ اللَّفْظُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أبو جعفر، فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ مُطْلَقًا أَحَقُّ مِنْ قَرَابَةِ الْأَبِ، بَلْ إِقْرَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا وجعفرا عَلَى دَعْوَى الْحَضَانَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِقَرَابَةِ الْأَبِ مَدْخَلًا فِيهَا، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْخَالَةَ لِكَوْنِهَا أُنْثَى مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، فَتَقْدِيمُهَا عَلَى قَرَابَةِ الْأَبِ كَتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، لَا مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنَ الْعَصَبَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute