وَأَمَّا حَدِيثُ سلمة بن المحبق: فَإِنْ صَحَّ، تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ وَلَمْ يُعْدَلْ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ. قَالَ أبو داود: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: الَّذِي رَوَاهُ عَنْ سلمة بن المحبق شَيْخٌ لَا يُعْرَفُ، وَلَا يُحَدِّثُ عَنْهُ غَيْرُ الحسن يعني قبيصة بن حريث. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": قبيصة بن حريث سَمِعَ سلمة بن المحبق، فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، وَقَالَ ابن المنذر: لَا يَثْبُتُ خَبَرُ سلمة بن المحبق، وَقَالَ البيهقي: وقبيصة بن حريث غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَقَالَ الخطابي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وقبيصة غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْحُجَّةُ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ، وَكَانَ الحسن لَا يُبَالِي أَنْ يَرْوِيَ الْحَدِيثَ مِمَّنْ سَمِعَ.
وَطَائِفَةٌ أُخْرَى قَبِلَتِ الْحَدِيثَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ مَنْسُوخٌ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ وَجْهُهُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَكْرَهَهَا، فَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا، وَلَمْ تَبْقَ مِمَّنْ تَصْلُحُ لَهَا، وَلَحِقَ بِهَا الْعَارُ، وَهَذَا مُثْلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، فَهِي كَالْمُثْلَةِ الْحِسِّيَّةِ، أَوْ أَبْلَغُ مِنْهَا، وَهُوَ قَدْ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ: إِتْلَافُهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا، وَالْمُثْلَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ بِهَا، فَيَلْزَمُهُ غَرَامَتُهَا لِسَيِّدَتِهَا، وَتَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إِنْ طَاوَعَتْهُ، فَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا، فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لَهَا، وَيَمْلِكُهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدِ اسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ، وَبِمُطَاوَعَتِهَا وَإِرَادَتِهَا خَرَجَتْ عَنْ شُبْهَةِ الْمُثْلَةِ. قَالُوا: وَلَا بُعْدَ فِي تَنْزِيلِ الْإِتْلَافِ الْمَعْنَوِيِّ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ الْحِسِّيِّ، إِذْ كِلَاهُمَا يَحُولُ بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ جَارِيَةَ الزَّوْجَةِ إِذَا صَارَتْ مَوْطُوءَةً لَزَوْجِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى لِسَيِّدَتِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ، فَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ الْأُصُولِيِّ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْقَوْلُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَبُولِ الْحَدِيثِ، وَلَا تَضُرُّ كَثْرَةُ الْمُخَالِفِينَ لَهُ، وَلَوْ كَانُوا أَضْعَافَ أَضْعَافِهِمْ.
[فَصْلٌ الْحُكْمُ فِي اللِّوَاطِ]
فَصْلٌ
وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى فِي اللِّوَاطِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute