للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذْكُورُ فِي الْأَنْوَاعِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، فَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ.

فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَبَيْعُ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ، انْتَفَى عَنْهُ الْأَمْرَانِ، فَإِنَّ غَرَرَهُ يَسِيرٌ، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْحُقُولَ الْكِبَارَ لَا يُمْكِنُ بَيْعُ مَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ فِي الْأَرْضِ، فَلَوْ شُرِطَ لِبَيْعِهِ إِخْرَاجُهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَانَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَفَسَادِ الْأَمْوَالِ مَا لَا يَأْتِي بِهِ شَرْعٌ، وَإِنْ مَنَعَ بَيْعَهُ إِلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا كُلَّمَا أَخْرَجَ شَيْئًا بَاعَهُ، فَفِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَتَعْطِيلِ مَصَالِحِ أَرْبَابِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ، وَمَصَالِحِ الْمُشْتَرِي مَا لَا يَخْفَى، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُوجِبُهُ الشَّارِعُ، وَلَا تَقُومُ مَصَالِحُ النَّاسِ بِذَلِكَ الْبَتَّةَ حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يَمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِهَا فِي الْأَرْضِ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ خَرَاجٌ كَذَلِكَ، أَوْ كَانَ نَاظِرًا عَلَيْهِ، لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ بَيْعِهِ فِي الْأَرْضِ اضْطِرَارًا إِلَى ذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ، فَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَظِيرًا لِمَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الْبُيُوعِ.

[فصل بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ]

فَصْلٌ.

وَلَيْسَ مِنْهُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ، بَلْ هُوَ نَظِيرُ مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَجَوْزِ الْهِنْدِ، فَإِنَّ فَأْرَتَهُ وِعَاءٌ لَهُ تَصُونُهُ مِنَ الْآفَاتِ، وَتَحْفَظُ عَلَيْهِ رُطُوبَتَهُ وَرَائِحَتَهُ، وَبَقَاؤُهُ فِيهَا أَقْرَبُ إِلَى صِيَانَتِهِ مِنَ الْغِشِّ وَالتَّغَيُّرِ، وَالْمِسْكُ الَّذِي فِي الْفَأْرَةِ عِنْدَ النَّاسِ خَيْرٌ مِنَ الْمَنْفُوضِ، وَجَرَتْ عَادَةُ التُّجَّارِ بِبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ فِيهَا، وَيَعْرِفُونَ قَدْرَهُ وَجِنْسَهُ مَعْرِفَةً لَا تَكَادُ تَخْتَلِفُ، فَلَيْسَ مِنَ الْغَرَرِ فِي شَيْءٍ، فَإِنَّ الْغَرَرَ هُوَ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحُصُولِ وَالْفَوَاتِ، وَعَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُخْرَى: هُوَ مَا طُوِيَتْ مَعْرِفَتُهُ، وَجُهِلَتْ عَيْنُهُ، وَأَمَّا هَذَا وَنَحْوُهُ فَلَا يُسَمَّى غَرَرًا لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، وَمَنْ حَرَّمَ بَيْعَ شَيْءٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ غَرَرٌ، طُولِبَ بِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الْغَرَرِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَجَوَازُ بَيْعِ الْمِسْكِ فِي الْفَأْرَةِ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا، وَالَّذِينَ مَنَعُوهُ جَعَلُوهُ مِثْلَ بَيْعِ النَّوَى فِي التَّمْرِ، وَالْبَيْضِ فِي الدَّجَاجِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالسَّمْنِ فِي الْوِعَاءُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ ظَاهِرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>