وَمُنَازِعُوهُمْ يَجْعَلُونَهُ مِثْلَ بَيْعِ قَلْبِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ فِي صِوَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَشْبَهُ بِهَذَا مِنْهُ بِالْأَوَّلِ، فَلَا هُوَ مِمَّا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ، فَلَمْ يَشْمَلْهُ نَهْيُهُ لَفْظًا وَلَا مَعْنًى.
وَأَمَّا بَيْعُ السَّمْنِ فِي الْوِعَاءِ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنَّهُ إِنْ فَتَحَهُ، وَرَأَى رَأْسَهُ بِحَيْثُ يَدُلُّهُ عَلَى جِنْسِهِ وَوَصْفِهِ جَازَ بَيْعُهُ فِي السِّقَاءِ، لَكِنَّهُ يَصِيرُ كَبَيْعِ الصَّبْرَةِ الَّتِي شَاهَدَ ظَاهِرَهَا وَإِنْ لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ جِنْسًا وَنَوْعًا وَوَصْفًا، وَلَيْسَ مَخْلُوقًا فِي وِعَائِهِ كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْمِسْكِ فِي أَوْعِيَتِهَا، فَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُهُ بِهَا.
وَأَمَّا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، فَمَنَعَهُ أَصْحَابُ أحمد وَالشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة وَالَّذِي يَجِبُ فِيهِ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ بَاعَ الْمَوْجُودَ الْمُشَاهَدَ فِي الضَّرْعِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ مُفْرَدًا، وَيَجُوزُ تَبَعًا لِلْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا بِيعَ مُفْرَدًا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشَاهَدًا كَاللَّبَنِ فِي الظَّرْفِ، لَكِنَّهُ إِذَا حَلَبَهُ خَلَفَهُ مِثْلُهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الضَّرْعِ، فَاخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ» ) فَهَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَحْمَلُهُ، وَأَمَّا إِنْ بَاعَهُ آصُعًا مَعْلُومَةً مِنَ اللَّبَنِ يَأْخُذُهُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ، أَوْ بَاعَهُ لَبَنَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute