للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَرَكَتُهُ فِي تِلْكَ الْقَبْضَةِ حَتَّى مَلَأَتْ أَعْيُنَ الْقَوْمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ فِيهَا، كَنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ لِلْقِتَالِ مَعَهُ حَتَّى رَآهُمُ الْعَدُوُّ جَهْرَةً وَرَآهُمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ.

وَمِنْهَا: جَوَازُ انْتِظَارِ الْإِمَامِ بِقَسْمِ الْغَنَائِمِ إِسْلَامَ الْكُفَّارِ وَدُخُولَهُمْ فِي الطَّاعَةِ، فَيَرُدَّ عَلَيْهِمْ غَنَائِمَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْغَنِيمَةَ إِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقِسْمَةِ لَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، إِذْ لَوْ مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ لَمْ يَسْتَأْنِ بِهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِنَ الْغَانِمِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَوْ إِحْرَازِهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ، رُدَّ نَصِيبُهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْغَانِمِينَ دُونَ وَرَثَتِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أبي حنيفة، لَوْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ شَيْءٌ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَسَهْمُهُ لِوَرَثَتِهِ.

[فصل في العطاء الَّذِي أَعْطَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ]

فَصْلٌ

وَهَذَا الْعَطَاءُ الَّذِي أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقُرَيْشٍ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، هَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، أَوْ مِنَ الْخُمُسِ، أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ ومالك: هُوَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَهُوَ سَهْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْخُمُسِ، وَهُوَ غَيْرُ الصَّفِيِّ، وَغَيْرُ مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْمَغْنَمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَأْذِنِ الْغَانِمِينَ فِي تِلْكَ الْعَطِيَّةِ. وَلَوْ كَانَ الْعَطَاءُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ لَاسْتَأْذَنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِحَوْزِهَا وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَصْلِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةٍ، فَهُوَ إِذًا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ النَّفْلَ يَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا الْعَطَاءُ هُوَ مِنَ النَّفْلِ، نَفَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ رُءُوسَ الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، لِيَتَأَلَّفَهُمْ بِهِ وَقَوْمَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ تَنْفِيلِ الثُّلُثِ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَالرُّبُعِ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْإِسْلَامِ وَشَوْكَتِهِ وَأَهْلِهِ، وَاسْتِجْلَابِ عَدُوِّهِ إِلَيْهِ، هَكَذَا وَقَعَ، سَوَاءٌ كَمَا قَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الَّذِي نَفَّلَهُمْ: لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا ظَنُّكَ بِعَطَاءٍ قَوَّى الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَأَذَلَّ الْكُفْرَ وَحِزْبَهُ، وَاسْتَجْلَبَ بِهِ قُلُوبَ رُءُوسِ الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، الَّذِينَ إِذَا غَضِبُوا، غَضِبَ لِغَضَبِهِمْ أَتْبَاعُهُمْ، وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>