وَهَذَا الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِ حُكْمِ الشَّارِعِ، فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ كُلَّمَا تَغَلَّظَتْ، تَغَلَّظَتْ عُقُوبَاتُهَا، وَوَطْءُ مَنْ لَا يُبَاحُ بِحَالٍ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْ وَطْءِ مَنْ يُبَاحُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَيَكُونُ حَدُّهُ أَغْلَظَ، وَقَدْ نَصَّ أحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، أَنَّ حُكْمَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً حُكْمُ اللِّوَاطِ سَوَاءٌ، فَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ يَكُونُ حَدُّهُ حَدَّ الزَّانِي.
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الحسن: حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي. وَقَالَ أبو سلمة عَنْهُ: يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ والنخعي: يُعَزَّرُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ ومالك وأبو حنيفة وأحمد فِي رِوَايَةٍ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفْتَى بِذَلِكَ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ.
[فَصْلٌ الْحُكْمُ فِيمَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ]
فَصْلٌ
وَحَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِحَدِّ الزِّنَى دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ، فَفِي " السُّنَنِ ": مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَرْأَةِ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ زَنَتْ، فَجَلَدَهُ الْحَدَّ وَتَرَكَهَا» .
فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْحُكُومَةُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الرَّجُلِ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ خِلَافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف أَنَّهُ لَا يُحَدُّ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ لِلْمَرْأَةِ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أبو داود فِي " سُنَنِهِ ": مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَجَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَكَانَ بِكْرًا، ثُمَّ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَقَالَتْ: كَذَبَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجُلِدَ حَدَّ الْفِرْيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute