للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ دَاخِلًا تَحْتَ هَذَا الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَتَخْصِيصُ مَحَلِّ السَّبَبِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَامِّ مُمْتَنِعٌ قَطْعًا، إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ أَوَّلًا، فَلَوْ خُصَّ لَخَلَا سَبَبُ الْحُكْمِ عَنِ الْبَيَانِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: نَعَمْ، التَّحْرِيمُ يَمِينٌ كُبْرَى فِي الزَّوْجَةِ، كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَيَمِينٌ صُغْرَى فِيمَا عَدَاهَا، كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ.

قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، إِنَّ التَّحْرِيمَ يَمِينٌ تُكَفَّرُ، فَهَذَا تَحْرِيرُ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا، وَتَقْرِيرُهَا اسْتِدْلَالًا، وَلَا يَخْفَى - عَلَى مَنْ آثَرَ الْعِلْمَ وَالْإِنْصَافَ وَجَانَبَ التَّعَصُّبَ وَنُصْرَةَ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَقْوَالِ - الرَّاجِحُ مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.

[فَصْلٌ الِاخْتِلَافُ فِي تَحْرِيمِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ]

فَصْلٌ

وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ حَرَّمَ شَيْئًا غَيْرَ الزَّوْجَةِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ أَوْ أَمَتِهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَفِي هَذَا خِلَافٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ.

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أبو حنيفة: يَحْرُمُ تَحْرِيمًا مُقَيَّدًا تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا إِذَا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَمَّى الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ تَحِلَّةً، وَهِيَ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ قَبْلَهَا، وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] ، وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِمَا أُبِيحَ لَهُ، فَيَحْرُمُ بِتَحْرِيمِهِ كَمَا لَوْ حَرَّمَ زَوْجَتَهُ.

وَمُنَازِعُوهُ يَقُولُونَ: إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْكَفَّارَةُ تَحِلَّةً مِنَ الْحَلِّ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعَقْدِ، لَا مِنَ الْحِلِّ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ التَّحْرِيمِ، فَهِيَ تَحِلُّ الْيَمِينَ بَعْدَ عَقْدِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] فَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْأَمَةِ أَوِ الْعَسَلِ، وَمَنْعُ نَفْسِهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ يُسَمَّى تَحْرِيمًا، فَهُوَ تَحْرِيمٌ بِالْقَوْلِ لَا إِثْبَاتَ لِلتَّحْرِيمِ شَرْعًا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ بِالظِّهَارِ، أَوْ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيِّ حَرَامٌ، فَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>