فَكَيْفَ يَعْدِلُ لِلسَّائِلِ عَنْ صَرِيحِ السُّنَّةِ إِلَى لَفْظَةِ " أَرَأَيْتَ " الدَّالَّةِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الرَّأْيِ سَبَبُهُ عَجْزُ الْمُطَلِّقِ وَحُمْقُهُ عَنْ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ، وَالْأَظْهَرُ فِيمَا هَذِهِ صِفَتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ فِعْلِ فَاعِلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ نَافِذٌ سَبَبُهُ الْعَجْزُ وَالْحُمْقُ عَنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي مَنْ عَقَدَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ، فَقَدْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: هَذَا أَدَلُّ عَلَى الرَّدِّ مِنْهُ عَلَى الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ، فَإِنَّهُ عَقْدُ عَاجِزٍ أَحْمَقَ عَلَى خِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيَكُونُ مَرْدُودًا بَاطِلًا، فَهَذَا الرَّأْيُ وَالْقِيَاسُ أَدَلُّ عَلَى بُطْلَانِ طَلَاقِ مَنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ مِنْهُ عَلَى صِحَّتِهِ وَاعْتِبَارِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا. فَفِعْلٌ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَإِذَا سُمِّيَ فَاعِلُهُ، ظَهَرَ، وَتَبَيَّنَ هَلْ فِي حُسْبَانِهِ حُجَّةٌ أَوْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي حُسْبَانِ الْفَاعِلِ الْمَجْهُولِ دَلِيلٌ الْبَتَّةَ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَائِلُ " فَحُسِبَتْ " ابْنَ عُمَرَ أَوْ نافعا أَوْ مَنْ دُونَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي حَسَبَهَا حَتَّى تَلْزَمَ الْحُجَّةُ بِهِ، وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ لَا تُخَالِفُ حَدِيثَ أبي الزبير، وَأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرَهَا شَيْئًا، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ مُجْمَلَةٌ لَا بَيَانَ فِيهَا.
[رَدُّ الْمُوقِعِينَ لِلطَّلَاقِ عَلَى الْمَانِعِينَ]
قَالَ الْمُوقِعُونَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُمْ أَيُّهَا الْمَانِعُونَ مُرْتَقًى صَعْبًا، وَأَبْطَلْتُمْ أَكْثَرَ طَلَاقِ الْمُطَلِّقِينَ، فَإِنَّ غَالِبَهُ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ، وَجَاهَرْتُمْ بِخِلَافِ الْأَئِمَّةِ، وَلَمْ تَتَحَاشَوْا خِلَافَ الْجُمْهُورِ، وَشَذَذْتُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ الَّذِي أَفْتَى جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِهِ، وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] ، وَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ طَلَاقٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] [الْبَقَرَةِ: ٢٢٨] ، وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] ، وَقَوْلُهُ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: ٢٤١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute