أَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَدًا بِوَضْعِهَا، وَإِنَّمَا تَقْتَضِي بَيْنُونَةً يَحْصُلُ بِهَا التَّحْرِيمُ، وَهُوَ يَمْلِكُ إِبَانَتَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا بِوَاحِدَةٍ، بِدُونِ عِوَضٍ، كَمَا إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً، فَإِنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ، فَإِذَا أَسْقَطَهَا سَقَطَتْ، وَلِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ إِبَانَتَهَا بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِنْهَا مَلَكَ الْإِبَانَةَ بِدُونِهِ، فَإِنَّهُ مُحْسِنٌ بِتَرْكِهِ؛ وَلِأَنَّ الْعِوَضَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ لَا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ وَأَبَانَهَا، فَلَهُ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ حُجَجُ مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، فَمَأْخَذُهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ يُفِيدُ مُطْلَقَ انْقِطَاعِ الْمِلْكِ، وَهُوَ يَصْدُقُ بِالْمُتَيَقَّنِ مِنْهُ، وَهُوَ الْوَاحِدَةُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَلَا تَعَرُّضَ فِي اللَّفْظِ لَهُ، فَلَا يَسُوغُ إِثْبَاتُهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، وَإِذَا أَمْكَنَ إِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْوَاحِدَةِ فَقَدْ وَفَّى بِمُوجَبِهِ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا مُوجِبَ لَهَا.
قَالُوا: وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَجْعَلُ الرَّجْعِيَّةَ مُحَرَّمَةً وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ التَّحْرِيمُ أَعَمُّ مِنْ تَحْرِيمِ رَجْعِيَّةٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَائِنٍ، فَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: الْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ أَوْ لَيْسَ الْأَخَصُّ مِنْ لَوَازِمِ الْأَعَمِّ أَوِ الْأَعَمُّ لَا يُنْتِجُ الْأَخَصَّ.
[فَصْلٌ حُجَجُ مَنْ قَالَ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ]
وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُسْأَلُ عَمَّا أَرَادَ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ مُحَرَّمٍ أَوْ يَمِينٍ فَيَكُونُ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ، فَمَأْخَذُهُ أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُوضَعْ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً، بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ، فَإِذَا صُرِفَ إِلَى بَعْضِهَا بِالنِّيَّةِ فَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ فِيمَا هُوَ صَالِحٌ لَهُ وَصَرَفَهُ إِلَيْهِ بِنِيَّتِهِ، فَيَنْصَرِفُ إِلَى مَا أَرَادَهُ وَلَا يَتَجَاوَزُ بِهِ وَلَا يَقْصُرُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى عِتْقَ أَمَتِهِ بِذَلِكَ عَتَقَتْ وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى الْإِيلَاءَ مِنَ الزَّوْجَةِ وَالْيَمِينَ مِنَ الْأَمَةِ لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ، قَالُوا: وَأَمَّا إِذَا نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَزِمَهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ مسلم فِي " صَحِيحِهِ ": ( «إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَتَلَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute