إِحْرَامُهُ وَطَوَافُهُ وَسَعْيُهُ عَنْهُمَا مَعًا، وَذَلِكَ أَكْمَلُ مِنْ وُقُوعِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَعَمَلِ كُلِّ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ.
وَتَرْجِيحٌ رَابِعَ عَشَرَ: وَهُوَ أَنَّ النُّسُكَ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَى سَوْقِ الْهَدْيِ أَفْضَلُ بِلَا رَيْبٍ مِنْ نُسُكٍ خَلَا عَنِ الْهَدْيِ. فَإِذَا قَرَنَ، كَانَ هَدْيُهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النُّسُكَيْنِ، فَلَمْ يَخْلُ نُسُكٌ مِنْهُمَا عَنْ هَدْيٍ، وَلِهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِقَوْلِهِ: " «إِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ» ".
وَتَرْجِيحٌ خَامِسَ عَشَرَ: وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ لِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَيْهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مِنَ الْفَاضِلِ إِلَى الْمَفْضُولِ الَّذِي هُوَ دُونَهُ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ تَأَسَّفَ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَفْعَلْهُ بِقَوْلِهِ: ( «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» ) .
وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ كُلَّ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَفِعْلُ أَصْحَابِهِ الْقِرَانُ لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَالتَّمَتُّعُ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، وَلِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ هَذِهِ، وَالْمُتَمَتِّعُ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ مُتَمَتِّعٍ اشْتَرَاهُ مِنْ مَكَّةَ، بَلْ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: لَا هَدْيَ إِلَّا مَا جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْقَارِنُ السَّائِقُ أَفْضَلُ مِنْ مُتَمَتِّعٍ لَمْ يَسُقْ، وَمِنْ مُتَمَتِّعٍ سَاقَ الْهَدْيَ لِأَنَّهُ قَدْ سَاقَ مِنْ حِينِ أَحْرَمَ، وَالْمُتَمَتِّعُ إِنَّمَا يَسُوقُ الْهَدْيَ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُفْرِدٌ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا، أَفْضَلَ مِنْ مُتَمَتِّعٍ سَاقَهُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ؟ فَكَيْفَ إِذَا جُعِلَ أَفْضَلَ مِنْ قَارِنٍ سَاقَهُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَاضِحٌ.
[عُذْرُ مَنْ قَالَ حَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَمَتِّعًا تَمَتُّعًا حَلَّ فِيهِ مِنْ إِحْرَامِهِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ حَجَّ مُتَمَتِّعًا تَمَتُّعًا حَلَّ فِيهِ مِنْ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِالْحَجِّ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ. فَعُذْرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ معاوية، أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute