رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ فِي الْعَشْرِ، وَفِي لَفْظٍ: وَذَلِكَ فِي حَجَّتِهِ. وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَى معاوية، وَغَلَّطُوهُ فِيهِ، وَأَصَابَهُ فِيهِ مَا أَصَابَ ابْنَ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ، فَإِنَّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُتَعَدِّدَةِ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: ( «لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» ) ، وَقَوْلِهِ: ( «إِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ فَلَا أُحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» ) . وَهَذَا خَبَرٌ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الْوَهْمُ وَلَا الْغَلَطُ، بِخِلَافِ خَبَرِ غَيْرِهِ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا خَبَرًا يُخَالِفُ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا، لَا بِتَقْصِيرٍ وَلَا حَلْقٍ، وَأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَعَلَّ معاوية قَصَّرَ عَنْ رَأْسِهِ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ قَدْ أَسْلَمَ، ثُمَّ نَسِيَ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْعَشْرِ، كَمَا نَسِيَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَهُ كَانَتْ كُلُّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَقَالَ: كَانَتْ [إِحْدَاهُنَّ] فِي رَجَبٍ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ فِيهَا، وَالْوَهْمُ جَائِزٌ عَلَى مَنْ سِوَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، صَارَ وَاجِبًا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ معاوية لَعَلَّهُ قَصَّرَ عَنْ رَأْسِهِ بَقِيَّةَ شَعْرٍ لَمْ يَكُنِ اسْتَوْفَاهُ الْحَلَّاقُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَخَذَهُ معاوية عَلَى الْمَرْوَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ وَهْمِهِ، فَإِنَّ الْحَلَّاقَ لَا يُبْقِي غَلَطًا شَعْرًا يُقَصِّرُ مِنْهُ، ثُمَّ يُبْقِي مِنْهُ بَعْدَ التَّقْصِيرِ بَقِيَّةً يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ قَسَمَ شَعْرَ رَأْسِهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَأَصَابَ أبا طلحة أَحَدَ الشِّقَّيْنِ، وَبَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ اقْتَسَمُوا الشِّقَّ الْآخَرَ، الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ وَالشَّعَرَاتِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا سَعْيًا وَاحِدًا وَهُوَ سَعْيُهُ الْأَوَّلُ، لَمْ يَسْعَ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَا اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ قَطْعًا، فَهَذَا وَهْمٌ مَحْضٌ. وَقِيلَ: هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute