للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَمَا أَنَّ الْإِيمَانَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ هِجْرَتَانِ فِي كُلِّ وَقْتٍ: هِجْرَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّوْبَةِ، وَهِجْرَةٌ إِلَى رَسُولِهِ بِالْمُتَابَعَةِ وَالِانْقِيَادِ لِأَمْرِهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِخَبَرِهِ، وَتَقْدِيمِ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ عَلَى أَمْرِ غَيْرِهِ وَخَبَرِهِ: ( «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» ) . وَفَرَضَ عَلَيْهِ جِهَادَ نَفْسِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَجِهَادَ شَيْطَانِهِ، فَهَذَا كُلُّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لَا يَنُوبُ فِيهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.

وَأَمَّا جِهَادُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فَقَدْ يُكْتَفَى فِيهِ بِبَعْضِ الْأُمَّةِ إِذَا حَصَلَ مِنْهُمْ مَقْصُودُ الْجِهَادِ.

[فَصْلٌ أَكْمَلُ الْخَلْقِ مَنْ كَمَّلَ مَرَاتِبَ الْجِهَادِ]

فَصْلٌ

وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ كَمَّلَ مَرَاتِبَ الْجِهَادِ كُلَّهَا، وَالْخَلْقُ مُتَفَاوِتُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَفَاوُتُهُمْ فِي مَرَاتِبِ الْجِهَادِ، وَلِهَذَا كَانَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ خَاتِمَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنَّهُ كَمَّلَ مَرَاتِبَ الْجِهَادِ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَشَرَعَ فِي الْجِهَادِ مِنْ حِينَ بُعِثَ إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ١] [الْمُدَّثِّرِ: ١ - ٤] شَمَّرَ عَنْ سَاقِ الدَّعْوَةِ، وَقَامَ فِي ذَاتِ اللَّهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَدَعَا إِلَى اللَّهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَسِرًّا وَجِهَارًا، وَلَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤] [الْحِجْرِ: ٩٤] فَصَدَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا تَأْخُذُهُ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَدَعَا إِلَى اللَّهِ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ.

وَلَمَّا صَدَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَصَرَّحَ لِقَوْمِهِ بِالدَّعْوَةِ، وَنَادَاهُمْ بِسَبِّ آلِهَتِهِمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>