أَمَرَهُ بَعْدَ انْسِلَاخِهَا أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فَقَتَلَ النَّاقِضَ لِعَهْدِهِ، وَأَجَّلَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ، أَوْ لَهُ عَهْدٌ مُطْلَقٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ لِلْمُوفِي بِعَهْدِهِ عَهْدَهُ إِلَى مُدَّتِهِ، فَأَسْلَمَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ، وَضَرَبَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ الْجِزْيَةَ.
فَاسْتَقَرَّ أَمْرُ الْكُفَّارِ مَعَهُ بَعْدَ نُزُولِ (بَرَاءَةٌ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مُحَارِبِينَ لَهُ، وَأَهْلِ عَهْدٍ، وَأَهْلِ ذِمَّةٍ، ثُمَّ آلَتْ حَالُ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالصُّلْحِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَصَارُوا مَعَهُ قِسْمَيْنِ: مُحَارِبِينَ، وَأَهْلَ ذِمَّةٍ، وَالْمُحَارِبُونَ لَهُ خَائِفُونَ مِنْهُ، فَصَارَ أَهْلُ الْأَرْضِ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ بِهِ، وَمُسَالِمٌ لَهُ آمِنٌ، وَخَائِفٌ مُحَارِبٌ.
وَأَمَّا سِيرَتُهُ فِي الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ وَيَكِلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَأَنْ يُجَاهِدَهُمْ بِالْعِلْمِ وَالْحُجَّةِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ، وَيُغْلِظَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَبْلُغَ بِالْقَوْلِ الْبَلِيغِ إِلَى نُفُوسِهِمْ، وَنَهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنِ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، فَهَذِهِ سِيرَتُهُ فِي أَعْدَائِهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ.
[فصل في سِيرَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا سِيرَتُهُ فِي أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصْبِرَ نَفْسَهُ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَأَلَّا تَعْدُوَ عَيْنَاهُ عَنْهُمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، وَيُشَاوِرَهُمْ فِي الْأَمْرِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَرَهُ بِهَجْرِ مَنْ عَصَاهُ وَتَخَلَّفَ عَنْهُ حَتَّى يَتُوبَ، وَيُرَاجِعَ طَاعَتَهُ، كَمَا هَجَرَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا.
وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَى مَنْ أَتَى مُوجِبَاتِهَا مِنْهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً شَرِيفُهُمْ وَدَنِيئُهُمْ.
وَأَمَرَهُ فِي دَفْعِ عَدُوِّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، بِأَنْ يَدْفَعَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَيُقَابِلَ إِسَاءَةَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ بِالْإِحْسَانِ، وَجَهْلَهُ بِالْحِلْمِ، وَظُلْمَهُ بِالْعَفْوِ، وَقَطِيعَتَهُ بِالصِّلَةِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَادَ عَدُوُّهُ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
وَأَمَرَهُ فِي دَفْعِهِ عَدُوَّهُ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنْهُمْ، وَجَمَعَ لَهُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ: فِي (سُورَةِ الْأَعْرَافِ) وَ (الْمُؤْمِنُونَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute