عَنْهُ، فَإِذَا اسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِيهِ، كَانَ تَوْكِيلًا لَا غَيْرَ.
قَالُوا: وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا، لَكَانَ مُقْتَضَاهُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إِلَيْهَا فِي بُضْعِهَا، وَهُوَ مُحَالٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا، وَلِهَذَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْمَهْرُ لَهَا لَا لِلزَّوْجِ، وَلَوْ مَلَكَ الْبُضْعَ لَمَلَكَ عِوَضَهُ، كَمَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ كَانَ عِوَضَ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَكَانَتِ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً لِلطَّلَاقِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَبْقَى الزَّوْجُ مَالِكًا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مِلْكًا لِمَالِكَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، وَالزَّوْجُ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ بَعْدَ التَّخْيِيرِ، فَلَا تَكُونُ هِيَ مَالِكَةً لَهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْنَا: هُوَ تَوْكِيلٌ وَاسْتِنَابَةٌ، كَانَ الزَّوْجُ مَالِكًا، وَهِيَ نَائِبَةٌ وَوَكِيلَةٌ عَنْهُ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ، ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا حَنِثَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْهُ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُطَلِّقُ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَقَوْلُكُمْ: إِنَّهُ تَمْلِيكٌ، إِمَّا أَنْ تُرِيدُوا بِهِ أَنَّهُ مَلَّكَهَا نَفْسَهَا، أَوْ أَنَّهُ مَلَّكَهَا أَنْ تُطَلِّقَ، فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ لَزِمَكُمْ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا: قَبِلْتُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يَقْتَضِي خُرُوجَ بُضْعِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَاتَّصَلَ بِهِ الْقَبُولُ، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الثَّانِيَ فَهُوَ مَعْنَى التَّوْكِيلِ، وَإِنْ غُيِّرَتِ الْعِبَارَةُ.
[حُجَجُ الْمُفَرِّقِينَ بَيْنَ بَعْضِ صُوَرِ التَّخْيِيرِ وَبَعْضٍ]
قَالَ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ بَعْضِ صُوَرِهِ وَبَعْضٍ - وَهُمْ أَصْحَابُ مالك - إِذَا قَالَ لَهَا: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَوْ جَعَلْتُ أَمْرَكِ إِلَيْكِ، أَوْ مَلَّكْتُكِ أَمْرَكِ، فَذَاكَ تَمْلِيكٌ. وَإِذَا قَالَ اخْتَارِي فَهُوَ تَخْيِيرٌ، قَالُوا: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا. أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِأَنَّ " اخْتَارِي " لَمْ يَتَضَمَّنْ أَكْثَرَ مِنْ تَخْيِيرِهَا، لَمْ يُمَلِّكْهَا نَفْسَهَا، وَإِنَّمَا خَيَّرَهَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِيَدِهَا، إِلَّا وَهِيَ مَالِكَتُهُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّهُ إِذَا قَالَ لَهَا: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، وَقَالَ أَرَدْتُ بِهِ وَاحِدَةً، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا قَالَ اخْتَارِي، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، وَقَعَتْ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ وَاحِدَةً، إِلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إِرَادَتِهِ الْوَاحِدَةَ. قَالُوا: لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا، وَلَا يَحْصُلُ لَهَا ذَلِكَ إِلَّا بِالْبَيْنُونَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا لَمْ تَبِنْ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute