للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا أَثَرٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ) هَلْ قَالَهُ بِمَنْصِبِ الْإِمَامَةِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ مُتَعَلِّقًا بِالْأَئِمَّةِ، أَوْ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَيَكُونُ شَرْعًا عَامًّا؟

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ( «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» ) هَلْ هُوَ شَرْعٌ عَامٌّ لِكُلَّ أَحَدٍ، أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، أَوْ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَئِمَّةِ، فَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ؟ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَالْأَوَّلُ لِلشَّافِعِيِّ وأحمد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِمَا.

وَالثَّانِي: لأبي حنيفة، وَفَرَّقَ مالك بَيْنَ الْفَلَوَاتِ الْوَاسِعَةِ، وَمَا لَا يَتَشَاحُّ فِيهِ النَّاسُ، وَبَيْنَ مَا يَقَعُ فِيهِ التَّشَاحُّ، فَاعْتُبِرَ إِذْنُ الْإِمَامِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.

[فصل في الِاكْتِفَاءُ فِي الْأَسْلَابِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ يَمِين]

فَصْلٌ

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ " دَلِيلٌ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّ دَعْوَى الْقَاتِلِ أَنَّهُ قَتَلَ هَذَا الْكَافِرَ، لَا تُقْبَلُ فِي اسْتِحْقَاقِ سَلَبِهِ.

الثَّانِيَةُ: الِاكْتِفَاءُ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الدَّعْوَى بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أبي قتادة: ( «قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ مَا لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ "، قَالَ فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَقُمْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَا لَكَ يَا أبا قتادة؟ " فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ " الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>