أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَهُ بِالشَّرْعِ شَرَطَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بِشَرْطِ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة. وَقَالَ مالك رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بِشَرْطِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْقِتَالِ. فَلَوْ نَصَّ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ. قَالَ مالك: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ إِلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَإِنَّمَا نَفَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ بَرَدَ الْقِتَالُ.
وَمَأْخَذُ النِّزَاعِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْإِمَامَ وَالْحَاكِمَ وَالْمُفْتِيَ وَهُوَ الرَّسُولَ، فَقَدْ يَقُولُ الْحُكْمَ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ فَيَكُونُ شَرْعًا عَامًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَقَوْلِهِ: ( «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» ) .
وَقَوْلِهِ: ( «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ» ، وَكَحُكْمِهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَبِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ) .
وَقَدْ يَقُولُ بِمَنْصِبِ الْفَتْوَى، كَقَوْلِهِ لهند بنت عتبة امْرَأَةِ أبي سفيان، وَقَدْ شَكَتْ إِلَيْهِ شُحَّ زَوْجِهَا، وَأَنَّهُ لَا يُعْطِيهَا مَا يَكْفِيهَا: ( «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» ) فَهَذِهِ فُتْيَا لَا حُكْمٌ، إِذْ لَمْ يَدْعُ بأبي سفيان وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى، وَلَا سَأَلَهَا الْبَيِّنَةَ.
وَقَدْ يَقُولُهُ بِمَنْصِبِ الْإِمَامَةِ، فَيَكُونُ مَصْلَحَةً لِلْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَلِكَ الْمَكَانِ، وَعَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَيَلْزَمُ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي رَاعَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَانًا وَمَكَانًا وَحَالًا، وَمِنْ هَاهُنَا تَخْتَلِفُ الْأَئِمَّةُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute