للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ دَبْغِهِ. وَعَنْهُ فِي جَوَازِهِ بَعْدَ الدَّبْغِ رِوَايَتَانِ، هَكَذَا أَطْلَقَهُمَا الْأَصْحَابُ، وَهُمَا عِنْدِي مَبْنِيَّتَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي طَهَارَتِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ.

وَأَمَّا بَيْعُ الدُّهْنِ النَّجَسِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي مَذْهَبِهِ.

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِكَافِرٍ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ. قُلْتُ: وَالْمُرَادُ بِعِلْمِ النَّجَاسَةِ: الْعِلْمُ بِالسَّبَبِ الْمُنَجِّسِ لَا اعْتِقَادُ الْكَافِرِ نَجَاسَتَهُ.

وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لِكَافِرٍ وَمُسْلِمٍ. وَخَرَجَ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ جَوَازِ إِيقَادِهِ، وَخَرَجَ أَيْضًا مِنْ طَهَارَتِهِ بِالْغَسْلِ، فَيَكُونُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَجْهًا بِبَيْعِ السِّرْقِينِ النَّجِسِ لِلْوَقِيدِ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتِ النَّجِسِ لَهُ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ صَحِيحٌ.

وَأَمَّا أَصْحَابُ أبي حنيفة فَجَوَّزُوا بَيْعَ السِّرْقِينِ النَّجِسِ إِذَا كَانَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَمَنَعُوهُ إِذَا كَانَ مُفْرَدًا.

[فصل بَيْعُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا عَظْمُهَا، فَمَنْ لَمْ يُنَجِّسْهُ بِالْمَوْتِ، كأبي حنيفة، وَبَعْضِ أَصْحَابِ أحمد، وَاخْتِيَارِ ابن وهب مِنْ أَصْحَابِ مالك، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَهُمْ، وَإِنِ اخْتَلَفَ مَأْخَذُ الطَّهَارَةِ، فَأَصْحَابُ أبي حنيفة قَالُوا: لَا يَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ، وَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُهَا، وَمَنَعُوا كَوْنَ الْأَلَمِ دَلِيلَ حَيَاتِهِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا تُؤْلِمُهُ لِمَا جَاوَرَهُ مِنَ اللَّحْمِ لَا ذَاتِ الْعَظْمِ، وَحَمَلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: ٧٨] [يس: ٧٨] عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ أَصْحَابَهَا. وَغَيْرُهُمْ ضَعَّفَ هَذَا الْمَأْخَذَ جِدًّا، وَقَالَ: الْعَظْمُ يَأْلَمُ حِسًّا، وَأَلَمُهُ أَشَدُّ مِنْ أَلَمِ اللَّحْمِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ؛ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَقْدِيرُ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ يَسْتَلْزِمُ الْإِضْرَابَ عَنْ جَوَابِ سُؤَالِ السَّائِلِ الَّذِي اسْتَشْكَلَ حَيَاةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>