الْحُلْوَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَاءَ الْمَمْزُوجَ بِالْعَسَلِ، أَوِ الَّذِي نُقِعَ فِيهِ التَّمْرُ أَوِ الزَّبِيبُ. وَقَدْ يُقَالُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ -: يَعُمُّهُمَا جَمِيعًا.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( «إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنٍّ وَإِلَّا كَرَعْنَا» ) ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَرْعِ، وَهُوَ الشُّرْبُ بِالْفَمِ مِنَ الْحَوْضِ وَالْمِقْرَاةِ وَنَحْوِهَا، وَهَذِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَاقِعَةُ عَيْنٍ دَعَتِ الْحَاجَةُ فِيهَا إِلَى الْكَرْعِ بِالْفَمِ، أَوْ قَالَهُ مُبَيِّنًا لِجَوَازِهِ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَكْرَهُهُ، وَالْأَطِبَّاءُ تَكَادُ تُحَرِّمُهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَعِدَةِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ لَا أَدْرِي مَا حَالُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ عَلَى بُطُونِنَا، وَهُوَ الْكَرْعُ، وَنَهَانَا أَنْ نَغْتَرِفَ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ، وَقَالَ: ( «لَا يَلَغْ أَحَدُكُمْ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ، وَلَا يَشْرَبْ بِاللَّيْلِ مِنْ إِنَاءٍ حَتَّى يَخْتَبِرَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَمَّرًا» ) .
وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، وَإِنْ صَحَّ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، إِذْ لَعَلَّ الشُّرْبَ بِالْيَدِ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ حِينَئِذٍ، فَقَالَ: وَإِلَّا كَرَعْنَا، وَالشُّرْبُ بِالْفَمِ إِنَّمَا يَضُرُّ إِذَا انْكَبَّ الشَّارِبُ عَلَى وَجْهِهِ وَبَطْنِهِ، كَالَّذِي يَشْرَبُ مِنَ النَّهْرِ وَالْغَدِيرِ، فَأَمَّا إِذَا شَرِبَ مُنْتَصِبًا بِفَمِهِ مِنْ حَوْضٍ مُرْتَفِعٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ بِيَدِهِ أَوْ بِفَمِهِ.
[فَصْلٌ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ الشُّرْبِ قَائِمًا]
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ الشُّرْبُ قَاعِدًا، هَذَا كَانَ هَدْيَهُ الْمُعْتَادَ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute