للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانُوا مَعَكُمْ» ) ، فَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ هِيَ بِقُلُوبِهِمْ وَهِمَمِهِمْ، لَا كَمَا يَظُنُّهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَعَهُمْ بِأَبْدَانِهِمْ، فَهَذَا مُحَالٌ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ) وَكَانُوا مَعَهُ بِأَرْوَاحِهِمْ وَبِدَارِ الْهِجْرَةِ بِأَشْبَاحِهِمْ، وَهَذَا مِنَ الْجِهَادِ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ أَحَدُ مَرَاتِبِهِ الْأَرْبَعِ، وَهِيَ: الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ وَالْمَالُ وَالْبَدَنُ، وَفِي الْحَدِيثِ: ( «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَقُلُوبِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ» )

[فصل في تَحْرِيقُ أَمْكِنَةِ الْمَعْصِيَةِ وَهَدْمُهَا]

فَصْلٌ

وَمِنْهَا: تَحْرِيقُ أَمْكِنَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي يُعْصَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيهَا وَهَدْمُهَا، كَمَا حَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ، وَهُوَ مَسْجِدٌ يُصَلَّى فِيهِ وَيُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ فِيهِ ; لَمَّا كَانَ بِنَاؤُهُ ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَأْوًى لِلْمُنَافِقِينَ، وَكُلُّ مَكَانٍ هَذَا شَأْنُهُ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ تَعْطِيلُهُ، إِمَّا بِهَدْمٍ وَتَحْرِيقٍ، وَإِمَّا بِتَغْيِيرِ صُورَتِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَمَّا وُضِعَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ فَمَشَاهِدُ الشِّرْكِ الَّتِي تَدْعُو سَدَنَتُهَا إِلَى اتِّخَاذِ مَنْ فِيهَا أَنْدَادًا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْهَدْمِ وَأَوْجَبُ، وَكَذَلِكَ مَحَالُّ الْمَعَاصِي وَالْفُسُوقِ كَالْحَانَاتِ وَبُيُوتِ الْخَمَّارِينَ وَأَرْبَابِ الْمُنْكَرَاتِ

وَقَدْ حَرَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَرْيَةً بِكَمَالِهَا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ، وَحَرَقَ حَانُوتَ رويشد الثقفي وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا، وَحَرَقَ قَصْرَ سعد عَلَيْهِ لَمَّا احْتَجَبَ فِيهِ عَنِ الرَّعِيَّةِ. وَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ تَارِكِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>