لِزَوَالِ الْمُغَيِّرِ الَّذِي هُوَ الْحَيْضُ، فَإِنَّهَا تَعُودُ بَعْدَ الطُّهْرِ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَيْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا الطُّهْرُ حُكْمًا، وَالْقُرْءُ أَمْرٌ يُغَيِّرُ أَحْكَامَ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا التَّغْيِيرُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ دُونَ الطُّهْرِ. فَهَذَا الْوَجْهُ دَالٌّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَحْتَسِبُ بِالطُّهْرِ الَّذِي قَبْلَ الْحَيْضَةِ قُرْءًا فِيمَا إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، ثُمَّ حَاضَتْ، فَإِنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِهَذَا الطُّهْرِ قَرْءًا جَعَلَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ فِي الشَّرِيعَةِ قُرْءًا مِنَ الْأَقْرَاءِ، وَهَذَا فَاسِدٌ.
[فصل حُجَّةُ مَنْ فَسَّرَ الْأَقْرَاءَ بِالْأَطْهَارِ]
[فصل دَلِيلُهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ]
فَصْلٌ قَالَ مَنْ جَعَلَ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارَ: الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: بَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا الْأَطْهَارُ.
الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ عَنْ أَدِلَّتِكُمْ.
أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] [الطَّلَاقِ: ١] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ: أَنَّ اللَّامَ هِيَ لَامُ الْوَقْتِ، أَيْ: فَطَلِّقُوهُنَّ فِي وَقْتِ عِدَّتِهِنَّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: ٤٧] ، [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٧] أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلُهُ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] ، [الْإِسْرَاءِ: ٧٨] أَيْ: وَقْتَ الدُّلُوكِ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: جِئْتُكَ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ، أَيْ: فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْهُ، وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، وَهِيَ طَاهِرٌ، قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، ثُمَّ قَالَ: فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعِدَّةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ هِيَ الطُّهْرُ الَّذِي بَعْدَ الْحَيْضَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الْحَيْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute