الْحَيْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدُ الْبَرَاءَةِ، فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِحَيْضَةٍ. وَقَالَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: تُسْتَبْرَأُ بِطُهْرٍ طَرْدًا لِأَصْلِهِ فِي الْعِدَدِ، وَعَلَى هَذَا فَهَلْ تَحْتَسِبُ بِبَعْضِ الطُّهْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِهِ، فَإِذَا احْتَسَبَتْ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ إِلَيْهِ. فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي، حَلَّتْ، وَإِنْ لَمْ تَحْتَسِبْ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ طُهْرٍ كَامِلٍ إِلَيْهِ، وَلَا تَحْتَسِبُ بِبَعْضِ الطُّهْرِ عِنْدَهُ قُرْءًا قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ حَيْضَةٌ لَا طُهْرٌ، وَهَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ كَالْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، قَالُوا: بَلِ الِاعْتِدَادُ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ بِالْحَيْضِ أَوْلَى مِنَ الْأَمَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي حَقِّهَا ثَابِتٌ بِتَكْرِيرِ الْقُرْءِ ثَلَاثَ اسْتِبْرَاءَاتٍ، فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي حَقِّهَا بِالْحَيْضِ الَّذِي هُوَ أَحْوَطُ مِنَ الطُّهْرِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَسِبُ بِبَقِيَّةِ الْحَيْضَةِ قُرْءًا، وَتَحْتَسِبُ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ قُرْءًا.
الثَّانِي: أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ فَرْعٌ عَلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَهِيَ الثَّابِتَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، فَإِذَا كَانَ قَدِ احْتَاطَ لَهُ الشَّارِعُ بِأَنْ جَعَلَهُ بِالْحَيْضِ، فَاسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ أَوْلَى، فَعِدَّةُ الْحُرَّةِ اسْتِبْرَاءٌ لَهَا، وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ عِدَّةٌ لَهَا.
وَأَيْضًا فَالْأَدِلَّةُ وَالْعَلَامَاتُ وَالْحُدُودُ وَالْغَايَاتُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ عَنْ غَيْرِهَا، وَالطُّهْرُ هُوَ الْأَمْرُ الْأَصْلِيُّ، وَلِهَذَا مَتَى كَانَ مُسْتَمِرًّا مُسْتَصْحَبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ يُفْرَدُ بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ الْمُتَمَيِّزُ هُوَ الْحَيْضُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا حَاضَتْ تَغَيَّرَتْ أَحْكَامُهَا مِنْ بُلُوغِهَا، وَتَحْرِيمِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ.
ثُمَّ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَاغْتَسَلَتْ، فَلَمْ تَتَغَيَّرْ أَحْكَامُهَا بِتَجَدُّدِ الطُّهْرِ، لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute