للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخَذَ مِنْ يَمِينِهَا حَتَّى أَتَى الْمُحَصَّبَ، وَيُحْمَلُ أَمْرُهُ بِالرَّحِيلِ ثَانِيًا عَلَى أَنَّهُ لَقِيَ فِي رُجُوعِهِ ذَلِكَ إِلَى الْمُحَصَّبِ قَوْمًا لَمْ يَرْحَلُوا، فَأَمَرَهُمْ بِالرَّحِيلِ، وَتَوَجَّهَ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَلَقَدْ شَانَ أبو محمد نَفْسَهُ وَكِتَابَهُ بِهَذَا الْهَذَيَانِ الْبَارِدِ السَّمِجِ الَّذِي يُضْحَكُ مِنْهُ، وَلَوْلَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَغْلَاطِ مَنْ غَلِطَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَغِبْنَا عَنْ ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ. وَالَّذِي كَأَنَّكَ تَرَاهُ مِنْ فِعْلِهِ أَنَّهُ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةً، ثُمَّ نَهَضَ إِلَى مَكَّةَ، وَطَافَ بِهَا طَوَافَ الْوَدَاعِ لَيْلًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْمُحَصَّبِ، وَلَا دَارَ دَائِرَةً فَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": عَنْ أَنَسٍ، ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ وَطَافَ بِهِ» ) .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنْ عائشة خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ، ثُمَّ (قَالَتْ: «حِينَ قَضَى اللَّهُ الْحَجَّ وَنَفَرْنَا مِنْ مِنًى، فَنَزَلْنَا بِالْمُحَصَّبِ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: " اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، ثُمَّ ائْتِيَانِي هَاهُنَا بِالْمُحَصَّبِ ". قَالَتْ: فَقَضَى اللَّهُ الْعُمْرَةَ وَفَرَغْنَا مِنْ طَوَافِنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَأَتَيْنَاهُ بِالْمُحَصَّبِ. فَقَالَ: فَرَغْتُمَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ. فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ» ) .

فَهَذَا مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَأَدَلِّهِ عَلَى فَسَادِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ تِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْهَا، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الأسود غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَلَا وَجْهَ لَهُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[هَلِ التَّحْصِيبُ سُنَّةٌ]

وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي التَّحْصِيبِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ، أَوْ مَنْزِلُ اتِّفَاقٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ، فَإِنَّ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>