الْمُسْلِمِينَ إِلَى تَجْهِيزِ الْجَيْشِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَصْلَحَةَ تَجْهِيزِهِ أَرْجَحُ مِنَ الْمَفْسَدَةِ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، وَالشَّرِيعَةُ لَا تُعَطِّلُ الْمَصْلَحَةَ الرَّاجِحَةَ لِأَجْلِ الْمَرْجُوحَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا جَوَازُ لُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَجَوَازُ الْخُيَلَاءِ فِيهَا، إِذْ مَصْلَحَةُ ذَلِكَ أَرْجَحُ مِنْ مَفْسَدَةِ لُبْسِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ لِبَاسُهُ الْقَبَاءَ الْحَرِيرَ الَّذِي أَهْدَاهُ لَهُ مَلِكُ أَيْلَةَ سَاعَةً ثُمَّ نَزْعُهُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي تَأْلِيفِهِ وَجَبْرِهِ، وَكَانَ هَذَا بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ " التَّخْيِيرِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ "، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا كَانَ عَامَ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ نَهَى عمر عَنْ لُبْسِ الْحُلَّةِ الْحَرِيرِ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَكَسَاهَا عمر أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ، وَهَذَا كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَلِبَاسُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةَ مَلِكِ أَيْلَةَ، كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَنَظِيرُ هَذَا نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ، سَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ، وَأَبَاحَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ مِنْ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَقَضَاءِ السُّنَنِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ فِعْلِهَا أَرْجَحُ مِنْ مَفْسَدَةِ النَّهْيِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إِذَا جَعَلَا بَيْنَهُمَا أَجَلًا غَيْرَ مَحْدُودٍ، جَازَ إِذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَرَضِيَا بِهِ، وَقَدْ نَصَّ أحمد عَلَى جَوَازِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي الْخِيَارِ مُدَّةً غَيْرَ مَحْدُودَةٍ، أَنَّهُ يَكُونُ جَائِزًا حَتَّى يَقْطَعَاهُ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، إِذْ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَلَا عُذْرَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَرِضًى بِمُوجَبِ الْعَقْدِ، فَكِلَاهُمَا فِي الْعِلْمِ بِهِ سَوَاءٌ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا.
[فصل في أن من قتل قتيلا فله سلبه]
فَصْلٌ
وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَنَّهُ قَالَ: ( «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» ) وَقَالَهُ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى قَبْلَهَا، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ، هَلْ هَذَا السَّلَبُ مُسْتَحَقٌّ بِالشَّرْعِ أَوْ بِالشَّرْطِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute