الثَّالِثُ: مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمَحْبُوبِ يَمْنَعُ مُشَارَكَتَهُ لِلْمُحِبِّ فِي مَحَبَّتِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَانِعُ، لَقَامَ بِهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ لِمُحِبِّهِ مِثْلُ مَا قَامَ بِالْآخَرِ، فَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ، وَكَانَتِ الْمَحَبَّةُ ذَاتِيَّةً، فَلَا يَكُونُ قَطُّ إِلَّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْلَا مَانِعُ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ، وَالرِّيَاسَةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي الْكُفَّارِ، لَكَانَتِ الرُّسُلُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَمَّا زَالَ هَذَا الْمَانِعُ مِنْ قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمْ، كَانَتْ مَحَبَّتُهُمْ لَهُمْ فَوْقَ مَحَبَّةِ الْأَنْفُسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ.
[فَصْلٌ عِلَاجُ الْعِشْقِ بِالزَّوَاجِ بِالْمَعْشُوقِ]
فَصْلٌ
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْعِشْقَ لَمَّا كَانَ مَرَضًا مِنَ الْأَمْرَاضِ، كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ، وَلَهُ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلَاجِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لِلْعَاشِقِ سَبِيلٌ إِلَى وَصْلِ مَحْبُوبِهِ شَرْعًا وَقَدَرًا، فَهُوَ عِلَاجُهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ) . فَدَلَّ الْمُحِبَّ عَلَى عِلَاجَيْنِ: أَصْلِيٌّ، وَبَدَلِيٌّ. وَأَمَرَهُ بِالْأَصْلِيِّ، وَهُوَ الْعِلَاجُ الَّذِي وُضِعَ لِهَذَا الدَّاءِ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ( «لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ» ) ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ عَقِيبَ إِحْلَالِ النِّسَاءِ حَرَائِرِهِنَّ وَإِمَائِهِنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨] [النِّسَاءِ: ٢٨] . فَذِكْرُ تَخْفِيفِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِخْبَارِهِ عَنْ ضَعْفِ الْإِنْسَانِ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ عَنِ احْتِمَالِ هَذِهِ الشَّهْوَةِ، وَأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - خَفَّفَ عَنْهُ أَمْرَهَا بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ مِنْ أَطَايِبِ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَأَبَاحَ لَهُ مَا شَاءَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، ثُمَّ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْإِمَاءِ إِنِ احْتَاجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute