مِنْهُ، وَالْإِقْبَالَ فَلَمْ تُبَادِرْ إِلَى الْقِيَامِ إلَيْهِ، وَالسُّرُورِ بِرِضَاهُ وَقُرْبِهِ مَعَ شِدَّةِ مَحَبَّتِهَا لَهُ، وَهَذَا غَايَةُ الثَّبَاتِ وَالْقُوَّةِ.
[طَلَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن يعذره فيمن تولى الإفك]
فَصْلٌ
الِاخْتِلَافُ فِيمَنْ أَجَابَ طَلَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَذْرِهِ فِي رَجُلٍ بَلَغَهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَكَذَا فِي مَتَى كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
وَفِي هَذِهِ الْقَضِيّةِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا قَالَ: ( «مَنْ يَعْذِرُنِي فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ " قَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) ، وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ عُقَيْبَ حُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ عُقَيْبَ الْخَنْدَقِ، وَذَلِكَ سَنَةَ خَمْسٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَدِيثُ الْإِفْكِ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هَذِهِ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَالْجُمْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ سَنَةَ سِتٍّ، فَاخْتَلَفَتْ طُرُقُ النَّاسِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، فَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ قَبْلَ الْخَنْدَقِ حَكَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِي.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ. قَالَ: وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ وَالْخَنْدَقُ بَعْدَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ: اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا إشْكَالَ، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَلَى خِلَافِهِ. وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عائشة قَالَتْ: إنَّ الْقَضِيَّةَ كَانَتْ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، وَآيَةُ الْحِجَابِ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زينب بنت جحش، وزينب إذْ ذَاكَ كَانَتْ تَحْتَهُ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهَا عَنْ عائشة، فَقَالَتْ: " أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي "، قَالَتْ عائشة: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَرْبَابُ التَّوَارِيخِ أَنَّ تَزْوِيجَهُ بزينب كَانَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَقَالَ محمد بن إسحاق: إنَّ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ بَعْدَ الْخَنْدَقِ، وَذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ الْإِفْكِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute