وَالثَّانِي: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِالشَّعْرِ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ حَيْثُ يَقُولُ: ( «إِنَّمَا حَرَّمَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَكْلَهَا أَوْ لَحْمَهَا» ) .
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الشَّعْرَ لَيْسَ مِنَ الْمَيْتَةِ لِيَتَعَرَّضَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّهُ الْمَوْتُ، وَتَعْلِيلُهُمْ بِالتَّبَعِيَّةِ يَبْطُلُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَ، وَعَلَيْهِ شَعْرٌ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ دُونَ الشَّعْرِ عِنْدَهُمْ، وَتَمَسُّكُهُمْ بِغَسْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ يَبْطُلُ بِالْجَبِيرَةِ، وَتَمَسُّكُهُمْ بِضَمَانِهِ مِنَ الصَّيْدِ يَبْطُلُ بِالْبَيْضِ، وَبِالْحَمْلِ. وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْجُمْلَةَ لِاتِّصَالِهِ، وَزَوَالِ الْجُمْلَةِ بِانْفِصَالِهِ عَنْهَا، وَهَاهُنَا لَوْ فَارَقَ الْجُمْلَةَ بَعْدَ أَنْ تَبِعَهَا فِي التَّنَجُّسِ، لَمْ يُفَارِقْهَا فِيهِ عِنْدَهُمْ، فَعُلِمَ الْفَرْقُ.
[فصل هَلْ يَحْرُمُ بَيْعُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ وَقَرْنِهَا وَجِلْدِهَا بَعْدَ الدِّبَّاغِ]
فَصْلٌ
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَدْخُلُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهَا تَحْرِيمُ بَيْعِ عَظْمِهَا وَقَرْنِهَا وَجِلْدِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ لِشُمُولِ اسْمِ الْمَيْتَةِ لِذَلِكَ؟ قِيلَ: الَّذِي يَحْرُمُ بَيْعُهُ مِنْهَا هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَاسْتِعْمَالِهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ بِقَوْلِهِ: ( «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ) . وَفِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: ( «إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ) . فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ بَيْعُهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ.
وَأَمَّا الْجِلْدُ إِذَا دُبِغَ، فَقَدْ صَارَ عَيْنًا طَاهِرَةً يُنْتَفَعُ فِي اللُّبْسِ وَالْفُرُشِ، وَسَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَا يَمْتَنِعُ جَوَازُ بَيْعِهِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ القفال: لَا يَتَّجِهُ هَذَا إِلَّا بِتَقْدِيرِ قَوْلٍ يُوَافِقُ مالكا فِي أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ طَهُرَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ؛ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمَيْتَةِ، حَقِيقَةً فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَعَظْمِهَا وَلَحْمِهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الدَّبْغِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ يُنْتَفَعُ بِهَا، فَجَازَ بَيْعُهَا كَالْمُذَكَّى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الدَّبْغَ إِزَالَةٌ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute