غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قَصْدٌ جَرَى فِي الِانْتِفَاعِ بِغَيْرِ الزَّرْعِ، فَذَلِكَ تَبَعٌ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ مَنْفَعَةُ شَقِّ الْأَرْضِ وَبَذْرِهَا وَفِلَاحَتِهَا وَالْعَيْنُ تَتَوَلَّدُ مِنْ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ لِحَفْرِ بِئْرٍ، فَخَرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ، فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ نَفْسُ الْعَمَلِ لَا الْمَاءُ.
قِيلَ: مُسْتَأْجِرُ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مَقْصُودٌ فِي غَيْرِ الْمَغَلِّ، وَالْعَمَلُ وَسِيلَةٌ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا، لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، بَلْ هُوَ تَعَبٌ وَمَشَقَّةٌ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنَ الْحَبِّ بِسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَهَكَذَا مُسْتَأْجِرُ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا سَوَاءٌ مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ لَبَنِهَا بِعَلْفِهَا وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ إِلَّا مَا لَا تُنَاطُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنَ الْفُرُوقِ الْمُلْغَاةِ، وَتَنْظِيرُكُمْ بِالِاسْتِئْجَارِ لِحَفْرِ الْبِئْرِ تَنْظِيرٌ فَاسِدٌ، بَلْ نَظِيرُ حَفْرِ الْبِئْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَكَّارًا لِحَرْثِ أَرْضِهِ وَيَبْذُرَهَا وَيَسْقِيَهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَنْظِيرَ إِجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ بِإِجَارَةِ الْأَرْضِ لِمَغَلِّهَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ أَصَحُّ مِنَ التَّنْظِيرِ بِإِجَارَةِ الْخُبْزِ لِلْأَكْلِ.
يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: وَهُوَ أَنَّ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ الَّذِي فِي إِجَارَةِ الْأَرْضِ لِحُصُولِ مَغَلِّهَا أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي فِي إِجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ، فَإِنَّ الْآفَاتِ وَالْمَوَانِعَ الَّتِي تَعْرِضُ لِلزَّرْعِ أَكْثَرُ مِنْ آفَاتِ اللَّبَنِ، فَإِذَا اغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي إِجَارَةِ الْأَرْضِ؛ فَلَأَنْ يُغْتَفَرَ فِي إِجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
[فصل الِاخْتِلَافُ فِي الْعَقْدِ عَلَى اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ]
فَصْلٌ.
فَالْأَقْوَالُ فِي الْعَقْدِ عَلَى اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ ثَلَاثَةٌ.
أَحَدُهَا: مَنْعُهُ بَيْعًا وَإِجَارَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ أحمد وَالشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة.
وَالثَّانِي: جَوَازُهُ بَيْعًا وَإِجَارَةً.
وَالثَّالِثُ: جَوَازُهُ إِجَارَةً لَا بَيْعًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ حَدِيثَانِ، أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عمر بن فروخ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute