رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِابْنَةِ حمزة لِخَالَتِهَا فِي الْحَضَانَةِ، وَقَدْ تَنَازَعَ فِيهَا ابْنَا عَمِّهَا علي وجعفر وَمَوْلَاهَا وَأَخُو أَبِيهَا الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَخَالَتُهَا يَوْمَئِذٍ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُ أَبِيهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ مَقْتَلِ حمزة وَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا حَقَّ لِعَصَبَةِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فِي حَضَانَتِهِ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الِاخْتِيَارِ، بَلْ قَرَابَتُهُمَا مِنَ النِّسَاءِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِمَا أَحَقُّ، وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ أَزْوَاجٍ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَكَ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنْ أَنَّ أُمَّ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَقَرَابَتَهُمَا مِنَ النِّسَاءِ مِنْ قِبَلِ أُمَّهَاتِهِمَا أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِمَا، وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ أَزْوَاجٍ مِنْ قَرَابَتِهِمَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ هُمْ عَصَبَتُهُمَا، فَهَلَّا كَانَتِ الْأُمُّ ذَاتُ الزَّوْجِ كَذَلِكَ مَعَ وَالِدِهِمَا الْأَدْنَى وَالْأَبْعَدِ كَمَا كَانَتِ الْخَالَةُ أَحَقَّ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُ أَبِيهِمَا؟ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ، وَذَلِكَ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ رِوَايَتُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ الْأَطْفَالِ إِذَا كَانَتْ بَانَتْ مِنْ وَالِدِهِمْ، مَا لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مَنْ يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى الْحُجَّةِ فِيمَا نَعْلَمُهُ. وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ، وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النَّقْلَ الَّذِي وَصَفْتُ أَمْرَهُ دَالٌّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاهِيَ السَّنَدِ. ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: ( «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» ) مِنْ طَرِيقِ المثنى بن الصباح عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إِذَا نَازَعَهَا فِيهِ عَصَبَةُ أَبِيهِ، فَصِحَّةُ الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْخَالَةَ ذَاتَ الزَّوْجِ، غَيْرِ أَبِي الصَّبِيَّةِ أَحَقَّ بِهَا مِنْ بَنِي عَمِّهَا وَهُمْ عَصَبَتُهَا، فَكَانَتِ الْأُمُّ أَحَقَّ بِأَنْ تَكُونَ أَوْلَى مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَعَلَ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْهُمْ لِقَرَابَتِهَا مِنَ الْأُمِّ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَالَّذِي وَصَفْنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَصْلُ إِحْدَاهُمَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ، وَالْأُخْرَى مِنْ جِهَةِ نَقْلِ الْآحَادِ الْعُدُولِ، فَإِذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute