يُؤْمَنُ أَنْ يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا خِلَافُ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ هَذَا مَعَ اشْتِغَالِهَا هِيَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِ، فَتَضِيعُ مَصْلَحَةُ الطِّفْلِ، فَإِذَا آثَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، وَطَلَبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهِ، زَالَتِ الْمَفْسَدَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا سَقَطَتِ الْحَضَانَةُ، وَالْمُقْتَضِي قَائِمٌ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ سُقُوطَ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ لَيْسَتْ حَقًّا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا هِيَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ وَلِلطِّفْلِ وَأَقَارِبِهِ، فَإِذَا رَضِيَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ جَازَ، فَزَالَ الْإِشْكَالُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ وَأَوْضَحِهَا، وَأَشَدِّهَا مُوَافَقَةً لِلْمَصْلَحَةِ، وَالْحِكْمَةِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْعَدْلِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَدَارِكَ فِي الْحَدِيثِ لِلْفُقَهَاءِ، أَحَدُهَا: أَنَّ نِكَاحَ الْحَاضِنَةِ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا، كَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَضَى بِهِ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أبي محمد ابن حزم.
وَالثَّانِي: أَنَّ نِكَاحَهَا لَا يُسْقِطُ حَضَانَةَ الْبِنْتِ، وَيُسْقِطُ حَضَانَةَ الِابْنِ، كَمَا قَالَهُ أحمد فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ نِكَاحَهَا لِقَرِيبِ الطِّفْلِ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا، وَنِكَاحَهَا لِلْأَجْنَبِيِّ يُسْقِطُهَا، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أحمد.
وَفِيهِ مَدْرَكٌ رَابِعٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاضِنَةَ إِنْ كَانَتْ أُمًّا وَالْمُنَازِعُ لَهَا الْأَبُ، سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا بِالتَّزْوِيجِ، وَإِنْ كَانَتْ خَالَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ نِسَاءِ الْحَضَانَةِ، لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا بِالتَّزْوِيجِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ أُمًّا وَالْمُنَازِعُ لَهَا غَيْرُ الْأَبِ مِنْ أَقَارِبِ الطِّفْلِ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ كَلَامَهُ وَمَا لَهُ وَعَلَيْهِ فِيهِ، قَالَ فِي " تَهْذِيبِ الْآثَارِ " بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ ابْنَةِ حمزة: فِيهِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ قَيِّمَ الصَّبِيَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ مِنْ قَرَابَتِهِمَا مِنْ قِبَلِ أُمَّهَاتِهِمَا مِنَ النِّسَاءِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِمَا مِنْ عَصَبَاتِهِمَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ أَزْوَاجٍ غَيْرِ الْأَبِ الَّذِي هُمَا مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute