للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهَا: تَمْكِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي مَسَاجِدِهِمْ أَيْضًا إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَارِضًا، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ اعْتِيَادِ ذَلِكَ.

وَفِيهَا: أَنَّ إِقْرَارَ الْكَاهِنِ الْكِتَابِيِّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ نَبِيٌّ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ طَاعَتَهُ وَمُتَابَعَتَهُ، فَإِذَا تَمَسَّكَ بِدِينِهِ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ رِدَّةً مِنْهُ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ الْحَبْرَيْنِ لَهُ، وَقَدْ سَأَلَاهُ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ، فَلَمَّا أَجَابَهُمَا «، قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ قَالَ: (فَمَا يَمْنَعُكُمَا مِنَ اتِّبَاعِي؟) ، قَالَا: نَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ،» وَلَمْ يُلْزِمْهُمَا بِذَلِكَ الْإِسْلَامَ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ شَهَادَةُ عَمِّهِ أبي طالب لَهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَأَنَّ دِينَهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينًا، وَلَمْ تُدْخِلْهُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي الْإِسْلَامِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا فِي السِّيَرِ وَالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ مِنْ شَهَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ، وَأَنَّهُ صَادِقٌ، فَلَمْ تُدْخِلْهُمْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي الْإِسْلَامِ، عَلِمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَعْرِفَةَ فَقَطْ، وَلَا الْمَعْرِفَةَ وَالْإِقْرَارَ فَقَطْ، بَلِ الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالِانْقِيَادُ وَالْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَدِينِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ فِي الْكَافِرِ إِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يَزِدْ، هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَهِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، إِحْدَاهَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُقِرًّا بِالتَّوْحِيدِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِيفَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ إِشَارَةً، وَأَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ نَبِيًّا يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ، وَلَا يَشُكُّ عُلَمَاؤُهُمْ فِي أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الدَّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ رِئَاسَتُهُمْ عَلَى قَوْمِهِمْ وَخُضُوعُهُمْ لَهُمْ، وَمَا يَنَالُونَهُ مِنْهُمْ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ.

وَمِنْهَا: جَوَازُ مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُنَاظَرَتِهِمْ، بَلِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ، بَلْ وُجُوبُهُ إِذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ مِنْ إِسْلَامِ مَنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ مِنْهُمْ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>