وَقَالَ أبو حنيفة: لَا تَكُونُ الْأَمَةُ فِرَاشًا بِأَوَّلِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ مِنَ السَّيِّدِ، فَلَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إِلَّا إِذَا اسْتَلْحَقَهُ فَيَلْحَقَهُ حِينَئِذٍ بِالِاسْتِلْحَاقِ لَا بِالْفِرَاشِ، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَحِقَهُ، إِلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ، فَعِنْدَهُمْ وَلَدُ الْأَمَةِ لَا يَلْحَقُ السَّيِّدَ بِالْفِرَاشِ إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ وَلَدٌ مُسْتَلْحَقٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بزمعة وَأَثْبَتَ نَسَبَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يُثْبِتْ قَطُّ أَنَّ هَذِهِ الْأَمَةَ وَلَدَتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرَهُ، وَلَا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا اسْتَفْصَلَ فِيهِ.
قَالَ مُنَازِعُوهُمْ: لَيْسَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ أَصْلٌ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَثَرٍ عَنْ صَاحِبٍ، وَلَا تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَأُصُولُهُ، قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ كَوْنَ الْأَمَةِ فِرَاشًا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَكِنَّهُ فَرَاشٌ ضَعِيفٌ وَهِيَ فِيهِ دُونَ الْحُرَّةِ، فَاعْتَبَرْنَا مَا تَعْتَقُ بِهِ بِأَنْ تَلِدَ مِنْهُ وَلَدًا فَيَسْتَلْحِقَهُ، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَحِقَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ، وَأَمَّا الْوَلَدُ الْأَوَّلُ فَلَا يَلْحَقُهُ إِلَّا بِالِاسْتِلْحَاقِ، وَلِهَذَا قُلْتُمْ: إِنَّهُ إِذَا اسْتَلْحَقَ وَلَدًا مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ مَا بَعْدَهُ إِلَّا بِاسْتِلْحَاقٍ مُسْتَأْنَفٍ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ إِنَّمَا يُرَادُ لِلْوَطْءِ وَالِاسْتِفْرَاشِ، بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْوَطْءَ وَالِاسْتِفْرَاشَ فِيهِ تَابِعٌ، وَلِهَذَا يَجُوزُ وُرُودُهُ عَلَى مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ.
قَالُوا: وَالْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ زمعة لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدٍ أَخًا، لِأَنَّهُ اسْتَلْحَقَهُ فَأَلْحَقَهُ بِاسْتِلْحَاقِهِ لَا بِفِرَاشِ الْأَبِ.
قَالَ الْجُمْهُورُ: إِذَا كَانَتِ الْأَمَةُ مَوْطُوءَةً فَهِيَ فِرَاشٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَاعْتِبَارُ وِلَادَتِهَا السَّابِقَةِ فِي صَيْرُورَتِهَا فِرَاشًا اعْتِبَارُ مَا لَا دَلِيلَ عَلَى اعْتِبَارِهِ شَرْعًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي فِرَاشِ زمعة، فَاعْتِبَارُهُ تَحَكُّمٌ.
وَقَوْلُكُمْ: إِنَّ الْأَمَةَ لَا تُرَادُ لِلْوَطْءِ، فَالْكَلَامُ فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي اتُّخِذَتْ سُرِّيَّةً وَفِرَاشًا وَجُعِلَتْ كَالزَّوْجَةِ أَوْ أَحْظَى مِنْهَا لَا فِي أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute