وَقَوْلُكُمْ: إِنَّ وَطْءَ زمعة لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يُلْحَقَ بِهِ الْوَلَدُ لَيْسَ عَلَيْنَا جَوَابُهُ، بَلْ جَوَابُهُ عَلَى مَنْ حَكَمَ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بزمعة وَقَالَ لِابْنِهِ: هُوَ أَخُوكَ.
وَقَوْلُكُمْ: إِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِالْأَخِ لِأَنَّهُ اسْتَلْحَقَهُ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمُسْتَلْحَقَ إِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَلْحَقْ بِالْمُقِرِّ، إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمُ اثْنَانِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ الْمَيِّتِ، وعبد لَمْ يَكُنْ يُقِرُّ لَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّ سودة زَوْجَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتُهُ، وَهِيَ لَمْ تُقِرَّ بِهِ، وَلَمْ تَسْتَلْحِقْهُ، وَحَتَّى لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ مَعَ أَخِيهَا عبد لَكَانَ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ لَا بِالِاسْتِلْحَاقِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَّحَ عَقِيبَ حُكْمِهِ بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ بِأَنَّ: ( «الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ» ) مُعَلِّلًا بِذَلِكَ مُنَبِّهًا عَلَى قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ عَامَّةٍ تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَغَيْرَهَا.
ثُمَّ جَوَابُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ أَنَّ ثُبُوتَ كَوْنِ الْأَمَةِ فِرَاشًا بِالْإِقْرَارِ مِنَ الْوَاطِئِ أَوْ وَارِثِهِ كَافٍ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْحَقَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: ابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، كَيْفَ وزمعة كَانَ صِهْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَتُهُ تَحْتَهُ، فَكَيْفَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ الْفِرَاشُ الَّذِي يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ؟ .
وَأَمَّا مَا نَقَضْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا أَنَّهُ إِذَا اسْتَلْحَقَ وَلَدًا مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ مَا بَعْدَهُ إِلَّا بِإِقْرَارٍ مُسْتَأْنَفٍ، فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِ أحمد هَذَا أَحَدُهُمَا
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَلْحَقُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ إِقْرَارًا، وَمَنْ رَجَّحَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ: قَدْ يَسْتَبْرِئُهَا السَّيِّدُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَيَزُولُ حُكْمُ الْفِرَاشِ بِالِاسْتِبْرَاءِ، فَلَا يَلْحَقُهُ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ إِلَّا بِاعْتِرَافٍ مُسْتَأْنَفٍ أَنَّهُ وَطِئَهَا كَالْحَالِ فِي أَوَّلِ وَلَدٍ، وَمَنْ رَجَّحَ الثَّانِيَ قَالَ: قَدْ يَثْبُتُ كَوْنُهَا فِرَاشًا أَوَّلًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْفِرَاشِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُزِيلُهُ إِذْ لَيْسَ هَذَا نَظِيرَ قَوْلِكُمْ: إِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِوَطْئِهَا حَتَّى يَسْتَلْحِقَهُ، وَأَبْطَلُ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ بِهِ أَخًا، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ لَهُ عَبْدًا، وَلِهَذَا أَتَى فِيهِ بِلَامِ التَّمْلِيكِ فَقَالَ: (هُوَ لَكَ) أَيْ: مَمْلُوكٌ لَكَ، وَقَوَّى هَذَا الِاعْتِرَاضَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ " هُوَ لَكَ عَبْدٌ " وَبِأَنَّهُ أَمَرَ سودة أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ أَخًا لَهَا لَمَا أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا.
قَالَ: وَقَوْلُهُ: ( «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) تَنْبِيهٌ عَلَى عَدَمِ لُحُوقِ نَسَبِهِ بزمعة، أَيْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَمَةُ فِرَاشًا لَهُ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute