الْأَمَةَ لَا تَكُونُ فِرَاشًا، وَالْوَلَدُ إِنَّمَا هُوَ لِلْفِرَاشِ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَمْرُ احْتِجَابِ سودة مِنْهُ، قَالَ: وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: " «احْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ» " قَالُوا: وَحِينَئِذٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّا أَسْعَدُ بِالْحَدِيثِ وَبِالْقَضَاءِ النَّبَوِيِّ مِنْكُمْ.
قَالَ الْجُمْهُورُ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ وَالْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ، فَنَقُولُ - وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ - أَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ أَخًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ عَبْدًا يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ( «هُوَ لَكَ، هُوَ أَخُوكَ يَا عبد بن زمعة» ) وَلَيْسَ اللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ كَقَوْلِهِ: ( «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» )
فَأَمَّا لَفْظَةُ قَوْلِهِ ( «هُوَ لَكَ عَبْدٌ» ) فَرِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تَصِحُّ أَصْلًا.
وَأَمَّا أَمْرُهُ سودة بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ الَّتِي أَوْرَثَهَا الشَّبَهُ الْبَيِّنُ بِعُتْبَةَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَاعَاةً لِلشَّبَهَيْنِ وَإِعْمَالًا لِلدَّلِيلَيْنِ، فَإِنَّ الْفِرَاشَ دَلِيلُ لُحُوقِ النَّسَبِ، وَالشَّبَهَ بِغَيْرِ صَاحِبِهِ دَلِيلُ نَفْيِهِ، فَأَعْمَلَ أَمْرَ الْفِرَاشِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُدَّعِي لِقُوَّتِهِ، وَأَعْمَلَ الشَّبَهَ بِعُتْبَةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سودة، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ وَأَبْيَنِهَا وَأَوْضَحِهَا، وَلَا يُمْنَعُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَهَذَا الزَّانِي يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلَدِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْبَعْضِيَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْوِلَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ عَنْهُ مَعَ ثُبُوتِهِ لِمَانِعٍ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا يُنْكِرُ مَنْ تَخَلَّفَ الْمَحْرَمِيَّةَ بَيْنَ سودة وَبَيْنَ هَذَا الْغُلَامِ لِمَانِعِ الشَّبَهِ بعتبة، وَهَلْ هَذَا إِلَّا مَحْضُ الْفِقْهِ؟ وَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ " لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَقَدْ ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا نُبَالِي بِصِحَّتِهَا مَعَ قَوْلِهِ لعبد: (هُوَ أَخُوكَ) وَإِذَا جَمَعْتَ أَطْرَافَ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَنَتْ قَوْلَهُ " هُوَ أَخُوكَ " بِقَوْلِهِ: ( «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ) تَبَيَّنَ لَكَ بُطْلَانُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ لَا يَحْتَمِلُهُ بِوَجْهٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ مُنَازِعِينَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَجْعَلُونَ الزَّوْجَةَ فِرَاشًا لِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ بُعْدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute