عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَيَكْبِسُوهُمْ يَوْمَ السَّبْتِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ فِيهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبُوهُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَنْ أَرْسِلْ إِلَيْنَا أبا لبابة بن عبد المنذر نَسْتَشِيرُهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَامُوا فِي وَجْهِهِ يَبْكُونَ، وَقَالُوا: يَا أبا لبابة! كَيْفَ تَرَى لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ يَقُولُ: إِنَّهُ الذَّبْحُ، ثُمَّ عَلِمَ مِنْ فَوْرِهِ أَنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَرَبَطَ نَفْسَهُ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَحَلَفَ أَلَّا يَحِلَّهُ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا.
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، قَالَ: ( «دَعُوهُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ) ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَحَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَتْ إِلَيْهِ الْأَوْسُ، فَقَالُوا: ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ فَعَلْتَ فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ مَا قَدْ عَلِمْتَ وَهُمْ حُلَفَاءُ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ، وَهَؤُلَاءِ مَوَالِينَا، فَأَحْسِنْ فِيهِمْ فَقَالَ: أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَذَاكَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. قَالُوا: قَدْ رَضِينَا، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ لِجُرْحٍ كَانَ بِهِ، فَأُرْكِبَ حِمَارًا وَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ وَهُمْ كَنَفَتَاهُ: يَا سعد أَجْمِلْ إِلَى مَوَالِيكَ، فَأَحْسِنْ فِيهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَّمَكَ فِيهِمْ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ، قَالَ: لَقَدْ آنَ لسعد أَلَّا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ، رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَنَعَى إِلَيْهِمُ الْقَوْمَ، فَلَمَّا انْتَهَى سعد إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلصَّحَابَةِ: قُومُوا إِلَى سَيَّدِكُمْ فَلَمَّا أَنْزَلُوهُ قَالُوا: يَا سعد! إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، قَالَ: وَحُكْمِي نَافِذٌ عَلَيْهِمْ؟ . قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: عَلَى مَنْ هَاهُنَا وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَعَلَيَّ. قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ الرِّجَالُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَتُقْسَمَ الْأَمْوَالُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute