الْجَنَّةِ، وَاحْتَجَّتْ بِمَا رَوَاهُ الترمذي فِي " جَامِعِهِ " مِنْ حَدِيثِ أبي الصديق الناجي عَنْ أبي سعيد، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي» ) قَالَ الترمذي حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
قَالَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى: هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْوِلَادَةِ فِي الْجَنَّةِ فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ، فَقَالَ: إِذَا اشْتَهَى وَلَكِنَّهُ لَا يَشْتَهِي، وَهَذَا تَأْوِيلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ. قَالُوا: وَالْجَنَّةُ دَارُ جَزَاءٍ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مَنْ أَهْلِ الْجَزَاءِ، قَالُوا: وَالْجَنَّةُ دَارُ خُلُودٍ لَا مَوْتَ فِيهَا، فَلَوْ تَوَالَدَ فِيهَا أَهْلُهَا عَلَى الدَّوَامِ وَالْأَبَدِ لَمَا وَسِعَتْهُمْ، وَإِنَّمَا وَسِعَتْهُمُ الدُّنْيَا بِالْمَوْتِ.
وَأَجَابَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَتْ " إِذًا " إِنَّمَا تَكُونُ لِمُحَقِّقِ الْوُقُوعِ لَا الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا يُسْكِنُهُمْ إِيَّاهَا بِلَا عَمَلٍ مِنْهُمْ، قَالُوا: وَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سِعَتِهَا: فَلَوْ رُزِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ آلَافٍ مِنَ الْوَلَدِ وَسِعَتْهُمْ، فَإِنَّ أَدْنَاهُمْ مَنْ يَنْظُرُ فِي مِلْكِهِ مَسِيرَةَ أَلْفَيْ عَامٍ.
وَقَوْلُهُ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْصَى مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إِلَيْهِ» ) لَا جَوَابَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَقْصَى مُدَّةِ الدُّنْيَا وَانْتِهَائِهَا فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَقْصَى مَا نَحْنُ مُنْتَهُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الِانْتِهَاءُ إِلَى نَعِيمٍ وَجَحِيمٍ وَلِهَذَا لَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلُهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعَةِ ( «وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ» ) أَيْ مُفَارَقَتُهُ وَمُعَادَاتُهُ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute