للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتَ بِهَا، رُكْنٌ كَعَرَفَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ اثْنَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وعلقمة، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُحَمَّدَانِ: ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَلَهُمْ ثَلَاثُ حُجَجٍ. هَذِهِ إِحْدَاهَا، وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨] [الْبَقَرَةُ ١٩٨] .

وَالثَّالِثَةُ: فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِهَذَا الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ رُكْنًا، بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَدَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَيْسَرِ زَمَانٍ، صَحَّ حَجُّهُ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ رُكْنًا لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ رُكْنًا، لَاشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَلَمَّا قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءَ بِاللَّيْلِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَفِي الدَّلِيلَيْنِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا قَدَّمَهُنَّ بَعْدَ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا لِصَلَاةِ عِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَالْوَاجِبُ هُوَ ذَلِكَ. وَأَمَّا تَوْقِيتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إِلَى الْفَجْرِ، فَلَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ رُكْنًا، وَتَكُونُ تِلْكَ اللَّيْلَةُ وَقْتًا لَهُمَا كَوَقْتِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَتَضْيِيقُ الْوَقْتِ لِأَحَدِهِمَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَقْتًا لَهُمَا حَالَ الْقُدْرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>